الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجر الوالدين من العقوق وإن ظلما

السؤال

أنا فتاة عمري 27، غير متزوجة.. عندي مشكلة في البيت وهو أنني لا أتكلم مع أبي وأمي لمدة أكثر من شهرين . والسبب هو أختي الكبيرة حولت بيننا وسببت المشاكل كلها... لقد تحملت كثيرا منهم في السنوات الماضية ولزمت الصمت و كانوا يظلمونني ووالدي لم يكونا عادلين لكني تحملت وتحملت.. وفي الأخير انفجرت المشكلة إلى الشجار وأمي وأبي ضربوني ليش لأني لم أطعهم ولكن بسبب أختي الكبيرة.. ليس لي مشكلة مع أبي وأمي لكن كل المشاكل بسبب إخوتي وأخواتي .. فماذا أفعل وأنا بدأت أكره أمي وأبي ولا أحبهم ولا أحس بلطف لهم من بعد ما فعلوه بي ولم يكونوا أبدا عادلين ... فماذا أفعل.. كل ما يهمني هو الله, هل يعاقبني ؟ فهل هذا عقوق الوالدين ؟أرجوكم أنقذوني ؟
جزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن أعظم الكبائر بعد الإشراك بالله عز وجل عقوق الوالدين ، ففي الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : قال ‏النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك ‏بالله، وعقوق الوالدين .. الحديث

وقد عرف بعض العلماء العقوق بأنه (إيذاء الولد أحد أبويه بما لو فعله مع غير أبويه كان محرما من جملة الصغائر فيكون في حق الأبوين كبيرة ) ومثلوا لذلك بما (لو قدم عليه أحدهما ولم يقم إليه أو قطب في وجهه فإن هذا وإن لم يكن في حق الغير معصية فهو عقوق في حق الأبوين ) وراجعي الفتوى رقم: 73463 .

فكيف إذا كان بالهجر والقطيعة الذي هو من الكبائر في حق غير الوالدين ففي حق الوالدين أشد ، وهو أيضا من أشد قطيعة الرحم ، فكما أن صلة الوالدين أعظم الصلة ، فإن قطعهما أعظم القطع ، وقد قال الله عز وجل : فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد: 22-23}. وفي الحديث: لا يدخل الجنة قاطع . أي قاطع رحم. رواه البخاري.

فلا يحل لك تحت أي مبرر أن تهجري والديك ، وتمتنعي عن كلامهما ، ويجب عليك التوبة إلى الله من هذا الذنب بالندم عليه ، والإقلاع عنه فورا ، والمبادرة إلى صلتهما بالكلام وغيره ، وفي المقابل يجب لك على والديك أن يحسنا في التعامل معك, وأن يعدلا بينك وبين غيرك من الأولاد, ولا يجوز لهم ضربك لغير مسوغ, ولكن تخليهم عن واجبهم نحوك لا يسوغ لك هجرهم ولا عقوقهم فنوصيك بالصبر عليهما ومعالجة المشكلة بالحكمة ، كما ينبغي لك الصبر على أذى أختك وما تسببه لك من المشاكل ، وتذكري قول الله عز وجل : ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت: 34-35}. وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه .

والله أعلم .


مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني