الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان من تصرف لهم الزكاة في ضوء القرآن الكريم

السؤال

السؤال حول أموال الزكاة وأموال الصدقة. في مسجد القرية صندوقان لجمع الأموال الصندوق الأول للزكاة المفروضة والثاني للصدقات ، وإنني عضو في لجنة الزكاة ، من هنا أهمية الأسئلة الآتية:1- ما حكم كلٍ من الأموال ؟ 2- من هم المستحقون للصرف عليهم لكلٍ من الأموال مع العلم أنه للزكاة المفروضة الأمر واضح بنص آية رقم 60 من سورة التوبة ؟ 3- هل يوجد اختلاف بين الأئمة الأربعة ؟ أفيدونا أفادكم الله .وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن حكم هذه الأموال المذكورة هو أن تصرف إلى مستحقيها؛ فالصدقات التي لم يعين المتصدق بها جهة لصرفها فإنها تصرف في عموم مصلحة الفقراء والمساكين بما في ذلك الطرق والمستشفيات ونحو ذلك مما ينتفع به المحتاجون حسبما يرى القائمون على الصدقة، وتصرف الصدقة التي عينت لها جهة في تلك الجهة. هذا في الصدقة غير الواجبة ، وانظر الفتوى رقم : 72909، والفتوى رقم : 9488 .

أما الصدقة الواجبة وهي الزكاة فلا تصرف إلا على الأصناف المذكورة في الآية المشار إليها في السؤال ، قال ابن قدامة في المغني: والصدقة لا يجاوز بها الثمانية الأصناف التي سمى الله عز وجل، يعني قوله تعالى : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة:60 } وروي أن رجلا قال: يا رسول الله؛ أعطني من هذه الصدقات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك . والمراد بالصدقة هاهنا: الزكاة المفروضة دون غيرها من صدقة التطوع والكفارات والنذور والوصايا ، ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هذه الأصناف ، إلا ما روي عن عطاء والحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية، والأول أصح . انتهى .

وقال الماوردي في الأحكام السلطانية : فواجب على عامل الصدقات بعد تكاملها ووجود جميع من سمي لها أن يقسمها على ثمانية أسهم بالتسوية، فيدفع سهما منها إلى الفقراء، والفقير هو الذي لا شيء له ، ثم يدفع السهم الثاني إلى المساكين، والمسكين هو الذي له ما لا يكفيه، فكان الفقير أسوأ حالا منه. وقال أبو حنيفة: المسكين أسوأ حالا من الفقير وهو الذي قد أسكنه العدم. فيدفع إلى كل واحد منهما إذا اتسعت الزكاة ما يخرج به من اسم الفقر والمسكنة إلى أدنى مراتب الغنى، وذلك معتبر بحسب حالهم؛ فمنهم من يصير بالدينار الواحد غنيا إذا كان من أهل الأسواق يربح فيه قدر كفايته فلا يجوز أن يزاد عليه، ومنهم من لا يستغني إلا بمائة دينار فيجوز أن يدفع إليه أكثر منه، ومنهم من يكون ذا جلَد يكتسب بصناعته قدر كفايته فلا يجوز أن يعطى وإن كان لا يملك درهما ، ثم السهم الثالث سهم العاملين عليها وهم صنفان أحدهما: المقيمون بأخذها وجبايتها، والثاني: المقيمون بقسمتها وتفريقها من أمين ومباشر متبوع وتابع، جعل الله تعالى أجورهم في مال الزكاة لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها، فيدفع إليهم من سهمهم قدر أجور أمثالهم، فإن كان سهمهم منها أكثر رد الفضل على باقي السهام، وإن كان أقل تممت أجورهم من مال الزكاة في أحد الوجهين ، ومن مال المصالح في الوجه الآخر، والسهم الرابع المؤلفة قلوبهم وهم أربعة أصناف : صنف يتألفهم لمعونة المسلمين ، وصنف يتألفهم للكف عن المسلمين، وصنف يتألفهم لرغبتهم في الإسلام، وصنف لترغيب قومهم وعشائرهم في الإسلام ، فمن كان من هذه الأصناف الأربعة مسلما جاز أن يُعطى من سهم المؤلفة من الزكاة، ومن كان منهم مشركا عدل به عن مال الزكاة إلى سهم المصالح من الفيء والغنائم. والسهم الخامس : سهم الرقاب : وهو عند الشافعي وأبي حنيفة مصروف في المكاتبين يدفع إليهم قدر ما يُعتقون به، وقال مالك يصرف في شراء عبيد يعتقون ، والسهم السادس : للغارمين : وهم صنفان: صنف منهم استدانوا في مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم، وصنف منهم استدانوا في مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر والغنى قدر ديونهم من غير فضل. والسهم السابع: سهم سبيل الله تعالى وهم الغزاة يدفع إليهم من سهمهم قدر حاجتهم في جهادهم، فإن كانوا يرابطون في الثغر دفع إليهم نفقة ذهابهم وما أمكن من نفقات مقامهم ، وإن كانوا يعودون إذا جاهدوا أعطوا نفقة ذهابهم وعودهم. والسهم الثامن: سهم ابن السبيل : وهم المسافرون الذين لا يجدون نفقة سفرهم يدفع إليهم من سهمهم إذا لم يكن سفر معصية قدر كفايتهم في سفرهم، وسواء من كان منهم مبتدئا بالسفر أو مجتازا. وقال أبو حنيفة: أدفعه إلى المجتاز دون المبتدئ بالسفر . انتهى .

وانظر الفتوى رقم : 8220 .

أما عن السؤال الثالث : فإن كان يعني خلاف الأئمة في تعيين من تصرف لهم الزكاة الواجبة، فقد مر بنا قول ابن قدامة أنه لا يوجد خلاف معتبر بين أهل العلم في عدم جواز دفع الزكاة إلى غير الثمانية، وبه تعلم اتفاق الأئمة الأربعة على هذا الحكم، وإن كانوا يختلفون في مسائل تتعلق بصرف الزكاة، كاختلافهم هل يلزم استغراق الأصناف الثمانية أم لا ؟ واختلافهم في القدر المعطى.. وغير ذلك من المسائل التي تراجع لها كتب الفقه ، أما الصدقة غير الواجبة فإن مصارفها أعم من مصارف الزكاة .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني