الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرجوع في الهبة المشروطة

السؤال

يا شيخي الفاضل لدي مشكلة تؤرقني وإن شاء الله أجد الحل عندكم لأبرئ ذمتي أمام الله عز وجل حيث إني لا أقبل بمال حرام على نفسي. المشكلة بدأت عندما توفي والدي في بريطانيا بحكم إقامته (متقاعد) هناك مع والدتي البريطانية النصرانية ونحن أبناؤه عددنا اثنان ذكور بالغان واثننان بالغتين ، بعد دفنه أخذت أمي في البكاء والشكوى من ضيق الحال المادية وأن المال الذي تركه والدي لن يكفيها وفي لحظة حياء وضغط عاطفي وحزننا اندفعنا أنا (36 سنة) وأختي الكبرى (40 سنه) وقلنا إننا نتنازل (شفهيا فقط لا شيء مدون أو مكتوب) عن نصيبنا في الإرث لصالح والدتنا وأختنا الصغرى (22 سنه) حتى تستطيع أن تكمل دراستها رغم صعوبة حالتي المادية وتراكم الديون علي. ما حدث أنه مرت سنتان ووالدتي لم تسمح لأختي بالدراسة وأرسلتها لنا إلى السعودية خالية الوفاض فلما عرفت ما فعلته أمي مع أختي تراجعت عن تنازلي إذ أن أمي أساسا لا ترث لأنها غير مسلمة كما أنها أخلت بشرط تنازلي عن نصيبي واكتشافنا أن المبلغ الذي تركه والدي لم يكن قليلا كما ذكرت لنا هي يوم وفاته . عندما أبلغت إخوتي لم يعلقوا على قراري بالتراجع أما أمي فوضعت يدها على كل أموال والدي في بريطانيا وقالت هذا حقي حسب القانون البريطاني (الزوجه هي التي ترث زوجها فقط) وقد كان والدي ترك مبلغا صغيرا هنا في السعودية للحالات الطارئة فأخبرت إخوتي أنني سآخذ هذا المبلغ المتروك هنا كجزء من نصيبي في الإرث لأنه لا يمثل حقي الكامل في الإرث حسب الشريعة الاسلامية ، هم لم يعترضوا !!ولم يعلقوا!! وإني والله لم ألجأ لهذا الحل إلا لحاجتي وضيق حالتي المادية ولكن رغم هذا لا أريد أن أجعل حاجتي سببا في أخذ مال ليس من حقي. أحب أن أضيف شيئا يا شيخنا الفاضل هو أن أخي الأصغر البالغ (31 سنه) وهو المدلل عند والدتي يعيش معها هو وزوجته وكلاهما لا يعمل فأمي تصرف عليهما (مسكن / مأكل ....الخ) طوال هذه المدة ولا تشتكي من وجودهما معها. أرجو أن تفيدني يا فضيلة الشيخ إذا كنت ما قمت به صوابا (حلالا) أم خطأ؟؟؟ وإذا كنت قد أخطأت فما هو الحل السليم لحل هذه المشكلة؟ هل أقسم المال الذي تركه والدي هنا بيني أنا وإخوتي البنات بالعدل وحسب الشريعة؟ رغم أن أختي الكبرى والصغرى مصرتان على تنازلهما لنصيبهما لوالدتنا إذ أن أختي الكبرى ميسورة الحال وتعتبر رجوعها عن تنازلها لأمي بنصيبها فيه شيء من عقوق الوالدين وهي تريد رضاها. مع العلم أن أختي الكبرى قد أحضرت أختي الصغرى كي تقيم معها في بيتها مع زوجها دون محرم وعدم أخذ مشورتي وأنا الأخ الأكبر لها وعندما واجهتهم بحكم الله في هذه المسأله وأنه لا يجوز أن تقيم أختي معهم لأن زوج أختي ليس محرما لها، فقال زوج أختي أنه سأل أحد الشيوخ وأفتى له أنه يجوز إذا كانت فترة مؤقته مع العلم أن أختي ليس لديها نية للعودة لتعيش مع والدتي وقامو بطردي وطلبوا مني أن لا أتدخل في حياتهم لأني أسبب المشاكل حسب رأيهم. فهل الناطق بالحق يسبب المشاكل في هذا الزمن أفيدونا بالصواب ؟
جزاكم الله عنا وعن كافة المسلمين خيرا إن شاء الله،،

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كنت لم تتنازل عن حقك في الميراث إلا بسبب ما ذكرت والدتك من قلة المال الذي تركه والدك وعلى شرط أن تكمل أختك تعليمها، فهذا التنازل عبارة عن هبة مشروطة بقلة المال وإكمال الأخت لدراستها، فإن لم يتحقق الشرطان كما هو الواقع كان لك الرجوع في هذه الهبة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل . رواه الطبراني ، وإلى هذا ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كما في الإنصاف من كتب الحنابلة ، وراجع الفتوى رقم : 49869 ، وإذا منعتك والدتك من نصيبك في الميراث في المال الذي في بريطانيا واستولت عليه كان لك أن تأخذ من مالها بقدر حقك، وهذا ما يعرف عند العلماء بمسألة الظفر ، وراجع فيها الفتوى رقم : 28871 ، وأما المال الذي تركه والدك في السعودية فلك منه بقدر نصيبك من الميراث، أما بقيته فهو لبقية الورثة ، ويجب أن يوزع عليهم على حسب القسمة الشرعية للميراث، ولا يجوز أخذ شيء منه إلا برضاهم، ولا يؤثر في ذلك رغبة أختيك في التنازل لوالدتك عن نصيبيهما لأنه لا ينتقل إلى ملك والدتك إلا بقبضها له ، أما قبل ذلك فهو ملك لأختيك لا يجوز الاعتداء عليه .

والذي ننصحك به إذا كنت تستطيع سداد ديونك وتدبير معاشك مع الاستغناء عن نصيبك في الميراث أن تتركه أو تترك بعضه لوالدتك برا بها ، ولا يمنع من ذلك كونها تفضل أخاك عليك فهذا ليس بأعظم من كفرها، ومع ذلك فقد قال تعالى : وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان: 15 } أما بالنسبة لأختك الصغرى فلا ريب أن الأفضل المشروع لها أن تقيم معك لأن ذلك أستر لها وأبعد عن الفتنة والمنة عليها، وعليها أن تطيعك في ذلك لأنك وليها المسؤول شرعا عنها، ويمكن أن توسط أحدا من أهل الخير والصلاح ليصلح بينكم ويقنع أختك بذلك، ولا يجوز لها أن تقيم في ذلك البيت إذا ترتب على ذلك شيء من المحرمات كخلوة الأجنبي بها أو اطلاعه على شيء مما لا يجوز لها أن تكشفه أمامه ، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، وراجع الفتوى رقم : 2523 .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني