الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الانتفاع بالراتب من العمل المحرم للجاهل والعالم

السؤال

أنا أقيم في مدينة القدس في فلسطين , وقد عملت كعامل نظافة وجلي للأطباق في مطعم صاحبه يهودي , ولا يخفى على فضيلتكم أنه قلما يوجد مطعم أو متجر عند اليهود يخلو من المسكرات أو المعجنات والفطائر المعجونة بالخمر أو النبيذ بالإضافة إلى غيره من المشروبات الساخنة والمأكولات العادية . وقد كنت أجتنب حمل هذه المسكرات خلال عملي حيث كان بعض المسلمين العصاة ممن يحملونها أو يشربونها يقومون بذلك , إلا أني كنت أقوم بجلي الكؤوس المستخدمة لشربها - بالطبع فإن الكؤوس لا تكون فارغة بل أقوم بسكب محتواها ثم جليها - كما أقوم بجلي الأدوات وتنظيف الآلات المستخدمة في تحضير تلك الأنواع من المعجنات . فأرجو من فضيلتكم الحلم على تساؤلاتي الآتية وصدرا رحبا فيما يخص بعض الأمور المتعلقة بهذا الصدد :-
1- هل جلي هذه الكؤوس أو الأدوات المستخدمة في تحضير المعجنات الآنف ذكرها جائز أم لا ؟؟
2- هل يجوز العمل في أماكن تبيع المسكرات وعدم الإنكار على حاملها من المسلمين العصاة على العلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس . بالإضافة إلى أنه لو لم يقم هذا الشخص العاصي بحملها أو في حال كان الآخرين ملتزمين فاني سأجبر على حملها أو ترك الوظيفة , فما السبيل للخلاص من هذه الحيرة ؟؟
3- إن مما ابتليت به المجتمعات الإسلامية في هذا الزمان هو شتم الذات الإلهية والدين والرسول - عليه السلام - وقد كان هؤلاء العصاة وغيرهم من اليهود يكثرون من هذا الفعل المشين أثناء فترة العمل – فلا حول ولا قوة إلا بالله - . فهل يجوز لي البقاء في أماكن تواجد هؤلاء زمن الشتم - أي فترة العمل - أم علي ترك الوظيفة . علما بأنه قلما تجد شبابا ملتزمين في سوق العمل الحر وكثيرا ما نواجه هذا الفلتان الديني في شتى الأمكنة حتى صار لكثير منا أمرا طبيعيا مستهجنين منكره عليهم , لا بل والأدهى من ذلك اعتباره عنصريا أو متشددا و يقومون بفصله من العمل ؟؟
4- هل ما تقاضيته من أجر عن هذه الوظيفة هو أجر حلال أم حرام . وان كان حراما بالكلية أو الجزئية فماذا علي فعله إذ أني لم أتصرف بهذا المال بعد ؟؟
5- فيما يخص الصلاة , لم يكن هناك مكان لأصلي فيه الا في غرفة المخزن الذي يحوي بالطبع على الخمور , فهل كان جائزا لي إقامة الصلاة في مكان كهذا أم لا , وان لم يكن جائزا فماذا علي فعله ؟؟
أعتذر من فضيلتكم على هذه الإطالة , وأرجو منكم التفصيل الشرعي المثبت بالأدلة النقلية والعقلية في هذه الفتوى لكيلا يبقى عندي أدنى شك أو ريب مما سألتزم به لاحقا , بالإضافة إلى توثيق اسم الجهة أو الشيخ المفتي الذي سيقوم بإصدار الفتوى , وجزاكم الله عني وعنكم خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرت أنك تقوم به من جلي الكؤوس المستخدمة لشرب الخمر، وأن الكؤوس لا تكون فارغة فتقوم أنت بسكب محتواها ثم جليها وجلي كل الأدوات وتنظيف الآلات المستخدمة في تحضير تلك الأنواع من المعجنات... وما ذكرته من شتم العصاة وغيرهم من اليهود للذات الإلهية والدين والرسول -صلى الله عليه وسلم-... وما ذكرته من أنه لم يكن هناك مكان لتصلي فيه إلا غرفة المخزن التي تحوي على الخمور... أقول: إن كل مسألة مما ذكرته كافية وحدها لتجعل إقدامك على العمل في المحل المذكور غير مباح. ولك أن تراجع في هذا فتوانا رقم:2049، وفتوانا رقم:34367، وفتوانا رقم:52052، وفتوانا رقم:63874. وهذه الفتاوى فيها الجواب على جميع أسئلتك ما عدا سؤالك الرابع.

وأما السؤال الرابع، فجوابه أنك إن كنت جاهلا بالحكم الشرعي أثناء عملك الأول فإن المرتب الذي كنت تتقاضاه لا حرج عليك في استعماله إن كنت تبت إلى الله بعد ما علمت بحرمة العمل في ذلك المجال، فإن الله تعالى يقول في حق المال المكتسب من الربا: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة :275}. والأورع لك أن تتخلص منه في شيء من أوجه الخير والبر، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما أخبره غلامه أنه أطعمه طعاما أخذه من شخص قد تكهن له الغلام في الجاهلية، لما أخبره بأصل هذا الطعام أدخل أبو بكر يده في فيه فقاء كل شيء في بطنه. والقصة في صحيح البخاري.

وأما إذا كنت عالما بحرمة العمل في ذلك المجال أثناء عملك فيه فإنه يجب عليك أن تتخلص من جميع ما عندك من هذا المال بصرفه في مصالح المسلمين كدفعه للفقراء والمساكين، وأن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا وتكثر من الاستغفار والأعمال الصالحة عسى الله أن يتوب عليك، وإذا كنت أنت فقيرا فلك أن تأخذ منه قدر ما تسد به حاجتك إلى مظنة اليسر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني