الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح ثمينة في فن التعامل بين الأزواج

السؤال

السادة الأفاضل أود أن أسألكم هذا السؤال متمنيا منكم التكرم برد واضح شمولي مدعم ومسند:
امرأة متزوجة متدينة كثيرا وملتزمة وزوجها متدين ومسرور منها لتدينها إلا أنه يغفل أحيانا ويقصر عن أداء واجبات دينه ومنها الصلاة فهو يقصر أحيانا في أداء صلاته وهي تحاول أن تذكره بالصلاة وتطلب منه الالتزام بالصلاة وعندما تطلب منه أحيانا ذلك فإنها تشاجره وتصرخ بوجهه بطريقة مستفزة، فهل يحق للزوجة أن تصرخ بوجه زوجها وخاصة أمام أبنائه وأن تتشاجر معه وأن تخاصمه وأن تتمنع عنه حتى لو كان الهدف نبيلا وهو حثه على أداء الصلاة .
وهل يحق للزوجة أن تخرج لدرس ديني أو محاضرة دينية أو لقاء نسوي أسبوعي لدراسة الدين ولحفظ القرآن الكريم أو لتعلم أحكام التجويد دون استئذان زوجها والاكتفاء بإعلامه عن استئذانه ولو كانت هذه اللقاءات اثنين إلى ثلاثة أسبوعيا، وهنا أطلب التركيز والتوضيح ما بين الاستئذان والإعلام وهل أحدهما يغني عن الآخر، وما ينطبق أيضا بنفس المفهوم على صيام التطوع والقضاء، وما هو الحكم في رغبة المرأة بأداء صلاة التراويح في رمضان في المسجد وإحياء ليلة القدر في منزل مع جماعة نساء أو في المسجد حتى منتصف الليل أو الفجر أو المبيت خارج المنزل في وضع غير آمن كوضع فلسطين، وهل يشترط موافقة الزوج أو أنها غير لازمة، وهل يجوز أخذ موافقة الزوج بالضغط عليه أو ابتزازه، وهل يجوز للمرأة أخذ موقف من زوجها بسبب رفضه ذهابها لإحياء ليلة القدر وأن تسيء معاملته في أواخر رمضان وفي العيد بسبب رفضه المذكور، والأسئلة السابقة تندرج تحت باب السؤال الأشمل وهو حدود طاعة الزوج ووجوبها، وهل للمرأة المسلمة الملتزمة أن تهمل هذه الطاعة وهل تأثم على ذلك.
وبالمستوى الثاني هل للمرأة المسلمة أن تصرخ بوجه زوجها أمام أطفالهم وأن يسمعها الجيران تحت مبرر أنها عصبية أو أن صوتها مرتفع، وتحت مبرر أن زوجها صرخ بوجهها أي يعني إذا كان تسليما لما تدعيه الزوجة ( وليس صحيحا ) أن زوجها صرخ عليها أو أنه شتمها هل يكون مبررا للمرأة المسلمة أن تصرخ على زوجها وأن تشتمه .
مع الشكر والتقدير لحضراتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن استقرار الحياة الزوجية واستمرارها غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام ويحث عليها، لذا فعلى كل من الزوجين أن يحافظ على ما يضمن استمرار الحياة الزوجية، ويقوي أواصرها، وأن يفي لصاحبه بجميع الحقوق الواجبة له، وأن يتغاضى عما يمكن التغاضي عنه من حقوقه الخاصة، هذا هو ما يحث عليه الشرع ويرغب فيه، وبناء على ما تقدم نقول ونوجه الكلام هنا إلى تلك الزوجة لأنها هي مبعث السؤال ومحك المقال، وللزوج كلام آخر سنجعله خاتمة هذه الفتوى.

فنقول أولا: على تلك الزوجة أن تعلم حق زوجها عليها، فإن كثيرا من المشاكل تحدث بسبب جهل بعض الزوجات بما أوجبه الله عليهن تجاه أزواجهن، وتحل كثير من المشاكل بقيام الزوجة بهذا الحق، فطاعة الزوج واجبة على الزوجة ما لم تكن في معصية الله تعالى، بل إن طاعته مقدمة على طاعة كل أحد حتى الوالدين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أي الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فأي الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه. رواه البزار والحاكم بإسناد حسن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.

ثانيا: ينبغي أن تعلم أن أداء الزوجة لحق زوجها إضافة إلى ما ينتج عنه من سعادة في حياتها الزوجية فإنها تنال به الأجر والثواب الجزيل، فقد جعل الله سبحانه طاعتها لزوجها والقيام بحقوقه تعدل الجهاد في سبيل الله والشهادة في سبيله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله. رواه البزار والطبراني، وجعل سبحانه رضى زوجها عنها سببا في دخولها الجنة، فقد روى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة.

ثالثا: عند غضب الزوج ينبغي ألا تقابله بغضب مثله، فإن ذلك مما يزيد الأمر سوءا، ويفتح للشيطان بابا بينهما، والذي ننصحها به هو التزام الصمت عند غضبه، وعدم مقابلته والرد عليه، فإنه سرعان ما يهدأ، وعندها يمكن لها نصحه والتفاهم والتناقش معه في جو هادئ تسوده المودة والاحترام. كما ننصحها بتدبر قول أبي الدرداء رضي الله عنه لأم الدرداء: إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فمتى ما لم يكن هكذا ما أسرع ما نفترق. رواه ابن عساكر في "تاريخه"، وقول أسماء بن خارجة الفزاري لابنته لما أهداها لزوجها: يا بنية كوني لزوجك أمة، يكن لك عبدا، ولا تدني منه فيملك، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني كما قلت لأمك:

خذي العفو مني تستمدي مودتي ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

فإني رأيت الحب في الصدر والأذى إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب.

وأما ما سألت عنه من حكم خروجها دون إذنه وهل يقوم إعلامه مقام الإذن؟ فجوابه أن استئذانه للخروج واجب، ولا يجوز لها أن تخرج من بيته دون إذنه ولو كان خروجها للعبادة وطلب العلم؛ إلا إذا كانت تستفتي في فرض عينها وهو لا يكفيها ذلك.

ولا يقوم إعلامه مقام الاستئذان إن كان بعد الفعل، وأما إن كان قبله وأعلمته أنها ستخرج ولم يعترض على ذلك ولم ينهها فسكوته دليل على رضاه بذلك وإذنه فيه، وإن كان الأولى والأطيب للخاطر أخذ إذنه صريحا. وراجع الفتوى رقم: 49264.

ولا ينبغي رفع الصوت عليه والصراخ في وجهه لأن ذلك مما يؤدي إلى الشقاق واحتدام الخلاف ولو كان لنصحه وأمره بالمعروف، لأن الحكمة في ذلك مطلوبة، ومن الحكمة لين الكلمة وحسن الأسلوب سيما إن كان المخاطب زوجا وسيما إن كان أمام الأبناء وبين الجيران. وإن كانت عصبية المزاج سريعة الغضب فعليها أن تكبح جماح غضبها وتتخذ الأسباب المعينة على ذلك، وقد بيناها في الفتوى رقم: 8038.

وعلى كل، فالذي ننصح به تلك الزوجة هو الصبر على زوجها وحسن التبعل له، ولا يعني ذلك عدم نصحها إياه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل تنصحه وتعظه وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر سيما في شأن الصلاة إذ هي عماد الدين، والتكاسل عنها مئنة من ضعف الدين ومن سيما المنافقين. وسلوك الأب يؤثر على الأبناء بل والأسرة جميعا كما قيل: إذا كان رب البيت للطبل ضاربا * فشيمة أهل البيت كلهم الرقص .

فنقول للزوجة: ذكري زوجك وامريه بالمعروف وانهيه عن المنكر ولكن بحكمة وموعظة حسنة بلا صراخ ولا جدال.

وأما زوجها فنقول له: إن عليه أن يتقي الله تعالى في زوجته فيتمثل أمر الله فيها ويحفظ لها وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وليعلم أن خير الرجال من كان خيرا لأهله، وأن لهذه المرأة من الحقوق عليه ما له عليها، كما قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228}. ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 3698، والفتوى رقم: 5381.

وأما تهاونه بالصلاة وتفريطه فيها فهو ذنب عظيم ووزر كبير.. ذلك لأن الصلاة هي عماد الدين، من حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع. وهي أول ما يسأل عنه العبد من الأعمال يوم القيامة. والتكاسل عنها والتهاون في أدائها من سيما المنافقين؛ كما قال رب العلمين: إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:142} وقوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ* هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ

فعليه أن يتقي الله تعالى في نفسه وزوجه وأبنائه، وليحافظ على صلاته ولا يغضب على زوجته إن ذكرته وأمرته بالمعروف ونهته عن المنكر، ونعيذه بالله أن يكون من قال الله تعالى فيهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهَادُ {البقرة:206}، بل ينبغي أن يشكر زوجته على ذلك، ويحمد الله تعالى أن رزقه زوجة صالحة تعينه على طاعة ربه. ولمعرفة أهمية المحافظة على الصلاة وخطورة التهاون في شأنها وحكم تاركها نرجو مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1061، 1145، 1490، 3830.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني