الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عطية الأب لبعض ولده في مرض موته تأخذ حكم الوصية

السؤال

ما الحكم الشرعي بالنسبة للأب الذي يحرم أحد أبنائه من الميراث فى حياته . وسبب الحرمان هو أن الابن زار أخا له من إخوته كان الأب غاضباً منه عليه والنتيجة أنه حرم الاثنين وسجل أكثر الأموال بأسماء أبنائه الباقين وذلك لما اشتد عليه المرض، وكان ذلك قبل وفاته بفترة قصيرة لا تتجاوز الثماني شهور، علما بأن الميراث كثير وفيه عقارات وشركات وبيوت وأراضي وأموال فى البنوك وكثير من الأثاث والمحرومان هما ذكر وأنثى وهي أرملة وعندها ولد ذكر وأربع إناث .الرجاء الإفادة وجزاكم الله خير الجزاء .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فلا يجوز للأب أن يفاضل بين أولاده في العطية على الصحيح من قولي العلماء، قال ابن ‏قدامة في المغني ( فإن خص بعضهم بعطية أو فاضل بينهم أثم، ووجبت عليه التوبة بأحد ‏أمرين، إما برد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر).‏
قال: ( ولنا ما روى النعمان بن بشير قال: تصدق علي أبي ببعض ماله، فقال أمي عمرة ‏بن رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبي إلى ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقته فقال: أكل ولدك أعطيت مثله؟ ‏قال: لا. قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. قال: فرجع أبي، فرد تلك الصدقة". وفي ‏لفظ قال: فاردده" وفي لفظ قال: "فأرجعه" وفي لفظ " لا تشهدني على جور" وفي لفظ " ‏فأشهد على هذا غيري" وفي لفظ "سو بينهم" وهو حديث صحيح، متفق عليه، وهو دليل ‏على التحريم لأنه سماه جوراً، وأمر برده وامتنع من الشهادة عليه، والجور حرام، والأمر ‏يقتضي الوجوب، ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، ‏فمنع منه) انتهى من المغني.
فإن مات الأب قبل أن يرجع عن جوره، فلا يخلو من حالين:
الأول: أن تكون عطيته قد ‏حصلت منه في حال صحته: فتثبت العطية على ما فيها من الجور والمفاضلة، عند أكثر ‏أهل العلم، لكن يدعى الورثة إلى تحقيق العدل وتصحيح القسمة، ويرغبون في ذلك.‏
وقال أحمد في رواية: إن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه، وهو قول عروة بن الزبير ‏وإسحاق.‏
الثاني: أن تكون عطيته وقسمته الجائرة قد حصلت في حال مرض الموت أو المرض ‏المخوف الذي يكثر حصول الموت منه فلا تنفذ، ويعاد تقسيم التركة كما أمر تعالى: ‏‏(للذكر مثل حظ الأنثيين) لا يحرم منها وارث.
قال ابن قدامة رحمه الله: ( وقوله" إذا كان ‏ذلك في صحته" يدل على أن عطيته في مرض موته لبعض ورثته لا تنفذ، لأن العطايا في ‏مرض الموت بمنزلة الوصية في أنها تعتبر من الثلث إذا كانت لأجنبي إجماعاً، فكذلك لا ‏تنفذ في حق الورثة.‏
قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم الهبات في المرض الذي ‏يموت فيه الواهب: حكم الوصايا، هذا مذهب المديني والشافعي والكوفي) انتهى.‏
والوصية لوارث لا تنفذ إلا إذا أجازها بقية الورثة.‏
وبناء على هذا نقول: إن كان ما حدث من التفضيل والحرمان قد وقع أثناء مرض الأب ‏مرض الموت، أو المرض الذي يخاف منه الموت، فعمله هذه يأخذ حكم الوصية ، فيكون قد ‏أوصى لبعض الورثة دون بعض، والوصية لوارث لا تنفذ إلا إذا أمضاها وأجازها بقية ‏الورثة، فإن منعها أحدهم استحق نصيبه من الميراث كاملاً.‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني