الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سفيان الثوري... ترجمته، ومواقفه

السؤال

من بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:أتمنى لوأعطيتمونا نبذة عن حياة سفيان الثوري رحمه الله وشجاعته مع الحكام.وجزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فسفيان هو الإمام أمير المؤمنين في الحديث سفيان بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة، ولد سنة سبع وتسعين للهجرة، وطلب العلم حدثاً باعتناء والده، وأخذ عن شيوخ كثيرين حتى قيل: إن عدد شيوخه يبلغ ستمائة، وأما الرواة عنه فخلق كثير ، وقد أثنى عليه شيوخه وأقرانه، فقال عبد الله بن المبارك: كتبت عن ألف ومئة شيخ، وما كتبت عن أفضل من سفيان، وعن أيوب السختاني قال: ما لقيت كوفياً أفضله على سفيان، وعن المثنى بن الصباح قال: سفيان عالم الأمة وعابدها، وعن ابن أبي ذئب قال: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري.
والحاصل أن سفيان ممن أطبقت ألسنة أهل السنة على مدحه وتوثيقه، وقد كان في عمله آية، كما كان في علمه آية، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، مبغضاً للظلم وأهله، فعاش مشرداً متخفياً عن الحكام نتيجة لذلك. ذكر ابن خلكان عن عبد الله بن صالح العجلي قال: دخل سفيان على المهدي فقال: سلام عليكم، كيف أنتم يا أبا عبد الله؟ ثم جلس فقال: حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأنفق في حجته ستة عشر ديناراً، وأنت حججت، فأنفقت في حجتك بيوت الأموال، قال: فأيَّ شيء تريد؟ تريد أن أكون مثلك؟‍ قال: فوق ما أنا فيه، ودون ما أنت فيه، فقال: وزيره أبو عبيد الله: أبا عبد الله قد كانت كتبك تأتينا فننفذها، قال: من هذا؟ قال: أبو عبيد الله وزيري. قال: احذره، فإنه كذاب، إني ما كتبت إليك، ثم قام فقال له المهدي: إلى أين يا أبا عبد الله، قال: أعود، وقد كان ترك نعله حين قام، فعاد فأخذها ثم مضى، فانتظره المهدي فلم يعد، فقال: وعدنا أن يعود فلم يعد، فعلم أنه عاد لأخذ نعله، فغضب، فقال: قد أمن الناس إلا سفيان الثوري، وإنه لفي المسجد الحرام، فذهب فألقى نفسه بين النساء فخبأنه، فقيل له: لم فعلت؟ فقال: إنهن أرحم، ثم خرج إلى البصرة فلم يزل بها حتى مات.
قال المسعودي في مروج الذهب: قال القعقاع بن حكيم، كنت عند المهدي، وقد أتى سفيان الثوري، فلما دخل سلم تسليم العامة، ولم يسلم بالخلافة، والربيع قائم على رأسه متكئ على سيفه يرقب أمره، فأقبل عليه المهدي بوجهٍ طلق، وقال له سفيان تفر منا ها هنا وها هنا، وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك، فقد قدرنا عليك الآن، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا؟ قال سفيان: إن تحكم في يحكم فيك مالك قادر يفرق بين الحق والباطل، فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟ إيذن لي أن أضرب عنقه، فقال له المهدي: اسكت ويلك فهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى بسعادتهم؟ اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه في حكم، فكتب عهده ودفع إليه، فأخذه وخرج ورما به في دجلة وهرب، فطلب في كل بلدٍ فلم يوجد، فهذه بعض من مواقفه رحمه الله. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني