الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصير من لم تبلغه الرسالة على وجهها الصحيح

السؤال

الأمر خطير: لي صديق يقول كيف يدخل اليهود والنصارى النار وهم مؤمنون بدينهم كما نحن مؤمنون بديننا إذا وأستغفر الله إن الله ظلمهم ولماذا لم يكن ديننا هو الخطأ ودينهم هو الصحيح، ولماذا لم نبحث في دينهم عن معتقدهم لعلنا على خطأ لأننا مسلمون على ما عليه آباؤنا وأهلنا فيمكن أن نكون قد أخطانا (حاولت إقناعه بكل شيء عن الدين وهو يصلي، ولكن غير منتظم ووصل لمرة خطيرة من التفكير ويتكلم على الله كأنه بشر مثلنا فمثلا يقول هل الله بكيفه يدخل أي أحد النار يبقى يظلمهم)، عذراً على طول الحديث ولكن كل ما أريده رداً شافيا على كيفية حساب اليهود والنصارى في عصرنا هذا وبقية الأديان لأنهم ليسوا مسلمين، هل الله يختار من منهم من غير المسلمين سيكون مسلما، هل الله يبعث إليهم بعلامات ودلائل لدخول الإسلام، ولكنهم لم يدخلوا، عاقبة من منهم تربى على ديانة ولم يبحث عن الديانات الأخرى، أنه يعتقد أن أي شيء يقتنع بشيء يدخل الجنة حتى لو خطأ لأنه على يقين أن ما فعله صحيح، ولماذا ربنا يدخل بعض الناس النار ما دام هناك شيء أثر على تفكيرهم بهذا المستوى وأقنعهم به فكيف يعذبون في النار واعتقادهم أنهم صح، فأرجو أن أكون وضحت جزءا من الصورة التي عليها زميلي في السكن وأتمنى من الله يوفقكم وأرسلوا لي الرد الشافي بأسرع وقت حتى أخبره به وأقنعه عسى الله يرجعه إلى الصواب؟ وجزاكم الله كل خير وجعلكم عونا لنا دائما.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الدنيا والآخرة ملك لله تعالى كما أخبر عن نفسه، فقال: وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى {الليل:13}، وقال تعالى: فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى {النجم:25}، والجنة والنار كلتاهما ملك لله تعالى، ولا يدخل الجنة إلا المؤمنون بالله وبما أرسل به رسله، ففي حديث الصحيحين: لا يدخل الجنة إلا مؤمن. وبهذا يعلم أنه ليس عند اليهود جنة ملك لهم يدخلونها إذا تمسكوا بدينهم، بل إن الجنة ملك لله يدخلها من آمن برسله وبدينه حسب زمانه، وفي هذه العصور المتأخرة لا يقبل إيمان من لم يؤمن بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، فأي يهودي أو نصراني سمع به وبلغته رسالته لا يقبل منه التمسك بدينه الأصلي، بل يجب عليه الدخول في الإسلام، وإلا كان من أهل النار، كما في الحديث: والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار. رواه مسلم.

وقد رد الله على اليهود والنصارى دعواهم أنهم يدخلون الجنة هم ومن كان على دينهم دون بقية الناس، وأكد أنه لا يدخلها إلا من أسلم نفسه لله وتمسك بدينه الحنيف، فقال تعالى: وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ* بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {البقرة:111-112}، وقال تعالى: لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا* وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا {النساء:124}

ثم إننا نحن المسلمين لم نعلم أصوبية ما نحن عليه تقليداً للآباء، وإنما علمناها من نصوص الوحي الثابتة كتاباً وسنة، فقد كثر فيها الوعد للمؤمنين بالجنة والوعيد للكفار بالنار، واعلم أن الله تعالى خلق الناس وتعبدهم بدينه ولم يكلفهم إلا بما في وسعهم وجعل فيهم قابلية الهدى، وبين لهم طريق الخير والشر، وهو سبحانه يعلم أعمالهم ويهدي من يشاء منهم فيوفقه بفضله، ويضل من يشاء فيخذله بعدله، فكل ميسر بتيسير الله إلى ما سبق علم الله به، كما قال ابن أبي زيد في الرسالة.

وقد أيد الله تعالى رسله بالمعجزات والبراهين الدالة على صدقهم فيما جاءوا به عن الله تعالى، ومن أعظم معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا تزال بين أيدينا الآن معجزة القرآن الكريم، فيه الهدى والنور وبيان الحق من الباطل، فمن سمعه وفهمه من أهل الكتاب يعتبر ممن بلغتهم الرسالة وقامت عليهم الحجة، فإن مات ولم يؤمن بما فيه كان من أهل النار، وأما من لم تبلغه الرسالة أو لم يجد من يبلغه القرآن ويفهمه معانيه فالراجح أنه يمتحن يوم القيامة، ولكنه يجب على من سمع منهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم أن يبحث عن الحق ويبذل وسعه في الاطلاع عليه.

وراجع في بيان عدل الله وفي المزيد عن بيان مصير أهل الكتاب المعاصرين، وهداية الله لعباده، وفي بعض نصوص الوعد بالجنة والوعيد بالنار الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2924، 39870، 68324، 58035، 5750، 54470، 81047، 4054، 61990، 3670، 77154، 4228، 95359، 71484.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني