الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الابتلاء امتحان للصبر والعبودية

السؤال

قال تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها}، وقال تعالى: {وما أصابتكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه" هذا تناقض، فكيف لنا أن نعرف إن كانت المصيبة هي محبة من الله أم عقاب على ذنوبنا، أحس أن الله قد ظلمني، منذ بداية حياتي وأنا غير مكلف والله سلط علي ما لا أطيقه من المشاكل والهموم صراع والدي ووالدتي شبه اليومي الذي وصل حد الضرب المبرح والشرطة، صراع أقربائي الحقودين، الكل يهينني ويكيد لنا، نشأت معقدا نفسيا، لا أريد أن أسرد كل ما حدث معي ولكني أحس أن الله يكرهني إذ سلط علي من لا يرحمني، كلما أسعى لتحقيق هدف في حياتي أفشل، كبرت ودخلت الجامعة ولم يتركوني بحالي جيراننا يؤذوننا بشكل شبه يومي، فشلت في دراستي سنة واحدة مع العلم أنني أسعى للتميز ولا أعلم إلى أين سيصير بي الحال، طبعا ستقولون لي صل، ادع الله وسيذهب عنك الهم، جربت ذلك ولم ينفع، أصلا أنا لا أستطيع أن أركز في كلمة واحدة من صلاتي بسبب الهم وعندما أفرغ من الصلاة أحس كأنني لم أصل وأنا موقن أنها لم تقبل فتركت الصلاة، طبعا ستقولون لي ذنوبك هي السبب، لكني أرى من حولي وهم ينجحون في كل ما يقدمون عليه من أهداف في الحياة مع أن ذنوبهم أكبر من ذنوبي ويسبون الذات الإلهية وكأن الله يحبهم ويكرهني، أنتم هكذا دائما يا رجال الدين (صل رحمك حتى وإن أهانوك، أطع والدك حتى وإن آذى أهل بيته)، (تحمل أذى جارك) وإلا ستخسر الجنة، أليس هذا ظلما، لم أعد أريد الجنة، قد كرهتهم جميعا ولا أفكر بشيء غير الانتقام، أنا إنسان فاشل محطم منهار مدمر ضعيف، فكرت بالانتحار ولكني لم أجرؤ على ذلك، سببت الذات الإلهية أكثر من مرة، تراودني أفكار إلحادية كثيرة، ما العمل، أرجو أن تكون الإجابة منطقية، فأنتم دائما تتحججون بأن الإسلام دين منطقي فأين المنطق في ذلك، وأرجو أن لا تكثروا من الاقتباس من أقوال ابن تيمية وغيره لأنها تحتوي على الكثير من المفردات العربية التي يستعصي علي فهمها، أو على الأقل أرفقوا معها شرحا مختصرا لبعض الكلمات؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية إنما يختص بالرد على الأسئلة والاستفسارات في الأمور الشرعية التي ترد على الشبكة من كافة أنحاء العالم، وليس في استطاعته أن يهدي من لم يقدر الله هدايته، فالله تعالى هو الذي بيده هداية الخلق، وقد خاطب نبيه وأفضل خلقه بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {القصص:56}.

واعلم أنه قد وردت في سؤالك أخطاء كبيرة منها:

- قولك: أحس أن الله قد ظلمني.

- وقولك: وأنا موقن أنها (أي الصلاة) لم تقبل فتركت الصلاة.

- وقولك: لم أعد أريد الجنة.

- وقولك: سببت الذات الإلهية أكثر من مرة، تراودني أفكار إلحادية كثيرة إلى غير ذلك مما كتبته وفصلته.

وكل هذا ليس لسبب أنك قد فشلت في دراستك أو في بعض أمور حياتك، أما الآن فإذا كنت تريد العقلانية والفكر المصيب، فاعلم أنه ليس أضر على الإنسان من أن يتسرب اليأس إلى نفسه أو يصيبه الوهن والضعف بسبب محنة أو ابتلاء قد مر به، فإن ذلك مرض خطير حذر الله منه، فقال سبحانه مخاطباً للصحابة رضي الله عنهم أجمعين بعد غزوة أحد التي قاسوا فيها ما قاسوا: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {آل عمران:139}، فإن من سنة الله في العبد أن يبتليه بالمصائب والمحن ليمتحن صبره وعبوديته، كما قال تعالى: ألم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {العنكبوت:1-2-3}، وقال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {البقرة:155-156}.

فمن الخطأ العظيم إذاً أن تُظلم الحياة في عين الفرد لأجل محنة أو مشكلة تعرض لها، لذا ندعوك إلى التوبة من هذا الكفر الصريح الذي نطقت به، ومما اقترفته من الآثام التي يكفي في بشاعتها أن من بينها ترك الصلاة. واعلم أن جميع ما في هذه الدنيا من النعيم أو الجحيم لا يمكن أن يقاس بلحظة واحدة مما في الآخرة، ثم اعلم أنه لا تناقض بين قوله تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ {آل عمران:165}، وقوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، وبين الحديث الذي أشرت إليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 64831، لتعرف الحكم من الابتلاءات التي يبتلي بها الله خلقه، والفتوى رقم: 8652 لتعرف عدل الله تعالى في جميع أفعاله وتقديراته، وأنه لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

ثم ما ذكرته من أن بعض الناس ينجحون في كل ما يقدمون عليه، وهم مع ذلك يسبون الذات الإلهية، ويرتكبون الذنوب الكثيرة، فذلك إنما هو استدراج لهم، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 36643.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني