الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كراهة الخصومة ورفع الصوت في المسجد ومحيطه

السؤال

انتشرت في السنوات الأخيرة عندنا ظاهرة انتصاب الباعة أمام أبواب المساجد فهؤلاء يأتون في أوقات الصلوات لاصطياد المصلين قبل وبعد الصلاة وأغلب هؤلاء لا يصلون أصلا وإنما مجيئهم فقط بغرض بيع بضائعهم والأدهى من هذا أنهم بمجرد ما يسلم الامام من الصلاة يتعالى عقيرهم بالصياح ترويجا لبضائعهم فيشوشون على المسبوقين في صلاتهم والذاكرين بمعقبات الصلاة والذين يصلون النوافل البعدية بل قد يصل الأمر أحيانا ببعضهم للتفوه بالكلام البذئ أثناء الصلاة المفروضة كل هذا وجماهير المصلين لا يحركون ساكنا بل ويتهافت أغلبهم عل هؤلاء الباعة للشراء منهم، وقد حاولت التصدي بكل جهدي لهذا المنكر منذ البداية لكني وجدت صعوبات عديدة من المصلين أنفسهم لحد أن بعضهم اتهمني بقطع الأرزاق وكأن الأرزاق عياذا بالله صارت بيدي أنا، وآخر ما فعلت أني خرجت بالأمس بعد صلاة الظهر فنهيت الباعة عن الصياح فلم يستتجيبوا لي فأقسمت بالله بأعلى صوتي أن كل من يشتري من هؤلاء هو شريك لهم في الإثم فما كان من أحد الباعة إلا أن تهجم علي ليعنفني وكالعادة اتهمني بعض المصلين بالتشدد، فما كان مني إلا أن ذرفت عيناي الدمع وانصرفت مفوضا أمري إلى الله هو حسبي ونعم الوكيل، فهل أنا محق في ما أقسمت عليه، أنا في حيرة من أمري ففي كل مرة أقول بيني وبين نفسي لن أتصدى لهذا المنكر مجددا لكني ولله الفضل والمنة لا أصبر على هذا، أرشدوني رحمكم الله لما يجب علي فعله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان هؤلاء الباعة يشوشون على المصلين في المسجد بصياحهم ويؤذونهم بكلامهم القبيح ونحو ذلك، فهذا شيء قبيح ولا بد من إزالته لمن أمكنه ذلك سواء كانت السلطات أو جماعة المصلين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أذية المصلي للمصلي برفع صوته بالقرآن، فقال: إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر بم يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. رواه أحمد وصححه ابن عبد البر وغيره.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض بالقراءة. رواه أبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم. فإذا كان هذا النهي في رفع الصوت بالقراءة فما بالك برفع الصوت بغيره من الكلام؟! ومن علم بحال هؤلاء وشاهدهم وأدرك أذيتهم واشترى منهم فإنه قد شاركهم في سوء فعلهم، ولكن لا يرقى صنيعهم هذا إلى الحرمة؛ بل هو مكروه، قال النووي في المجموع: تكره الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه وكذا البيع والشراء والإجارة ونحوه من العقود هذا هو الصحيح المشهور. انتهى.

وننبه إلى أنهم لو افترشوا حريم المسجد وضيقوا على المصلين فإنه يحرم عليهم المكث في ذلك المكان، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى: ويمنع من ارتفاق بحريمه ضار بأهله، ولا يجوز للإمام الإذن فيه، فإن لم يضر بأهله جاز الارتفاق المذكور، والإذن فيه.

وعليه؛ فإننا نرى أن حلفك على أن من شاركهم آثم خطأ ولا تلزمك فيه كفارة لأن من حلف على شيء يظنه صحيحاً فتبين أنه خطأ فلا كفارة عليه، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ومن حلف على شيء يظنه كما حلف، فلم يكن فلا كفارة عليه، لأن هذا من لغو اليمين. وأكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها، قاله ابن المنذر... وننصحك بمواصلة النصح برفق ولين والسعي في كسب عدد من المصلين الذين يمكن أن يناصروك في منع هؤلاء الباعة من رفع الصوت، أو طردهم من حريم المسجد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني