الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب نهي النبي الجارية نسبة علم الغيب إليه

السؤال

عن الرّبَيْعِ بِنْتِ مُعَوّذِ بنِ عَفْرَاءَ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر، حتى قالت جارية: " وَفِينَا نَبِيّ يَعْلَمُ مَا في غَدٍ ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تقولي هذا وارجعي إلى ما كنتِ تقولين " .(البخاري )
قال أصحاب العذر بالجهل: فمع قولها ما هو كفر إلا أن النبي لم يكفرها وعذرها بجهلها.
هل قول الجارية كفر أم لا ؟ وهل عذرها النبي صلى الله عليه وسلم بجهلها ولم يكفرها؟
هل يوافق التعليق التالي عقيدة أهل السنة والجماعة أم لا، التعليق:
'إن هذه الجارية لم تنطق بما هو كفر مجرد ، فكون النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم ما في غد فهذا حق بما يطلعه عليه سبحانه , قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً . إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } (الجن :26-27). وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم أن تطلق الجارية علم النبي بالغيب. ومثل هذا الكلام ليس كفراً وشركاً يخرج من الملة والحمد لله على توفيقه .'؟
جزاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد رجح ابن حجر في الفتح أن سبب نهيه الجارية عما تقول هو النهي عن الإطراء في المدح، ونسبة علم الغيب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، واحتج برواية حماد: لا يعلم ما في غد إلا الله.

فقد أنكر عليها الإطراء لأنها أطلقت علم الغيب وهو صفة تختص بالله تعالى؛ كما قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل:65} وقوله لنبيه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ {الأعراف:188} وسائر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به من الغيوب بإعلام الله إياه، لا أنه يستقل بعلم ذلك؛ كما قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ {الجن: 26-27}

وبناء على هذا يُعلم أن إطلاق علم النبي صلى الله عليه وسلم للغيب ممنوع شرعا؛ لقوله تعالى مخاطبا للرسول صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ {الأنعام: 50} ولقول عائشة رضي الله عنها: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم الفرية على الله. رواه الترمذي وصححه الألباني.

وقد نقل صاحب عود المعبود عن عدة من أهل العلم القول بتكفير من يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب مطلقا، فلا يبعد عذر الجارية بالجهل ولا يحتاج للتعليق المذكور، وقد سبق أن ذكرنا عدة فتاوى تبين قضية العذر بالجهل وعدم تكفير المعين؛ إلا إذا أقيمت الحجة عليه، فراجع منها الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها: 19084، 30284، 98353، 60824، 75673، وراجع في النهي عن الغلو في المدح الفتوى رقم: 24151.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني