الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين أدلة رفع عيسى عليه السلام وبين قوله تعالى ( فلما توفيتني ...)

السؤال

من المعلوم أن الله تعالى رفع عيسى عليه السلام فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى .فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فقد قال تعالى راداً على من ادعى قتل المسيح عليه السلام (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ‏ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ ‏مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً ‏حَكِيماً) [النساء:157،158]‏
ففي هذه الآية بيان أن الله رفعه حياً، وسلمه من القتل.‏
وأجمعت الأمة -كما نقل ذلك ابن القيم في بيان تلبيس الجهمية- على أن الله رفع عيسى ‏عليه السلام إليه إلى السماء. ‏
أما قوله تعالى (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ‏وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ‏فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [آل عمران:55]‏
فقد قال الإمام ابن تيمية رداً على من ادعى موته ( فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت ‏إذ لو أراد بذلك الموت، لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين، فإن الله يقبض أرواحهم ‏ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: (ومطهرك من الذين ‏كفروا) ولو كانت قد فارقت روحه جسده، لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء، أو ‏غيره من الأنبياء.‏
وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين ‏اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله ‏إليه) يبين أنه رفع بدنه وروحه، كما ثبت في الصحيح أنه ينزل ببدنه وروحه، إذا لو أريد ‏موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات…‏
ولهذا قال من قال من العلماء: إني متوفيك، أي قابضك أي: قابض روحك وبدنك، ‏يقال: توفيت الحساب واستوفيته.‏
ولفظ التوفي لا يقتضي نفسه توفي الروح والبدن، ولا توفيهما جميعاً إلا بقرينة منفصلة، ‏وقد يراد به توفي النوم، كقوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي ‏مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ ‏لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر:42]‏
انتهى محل الغرض من كلام ابن تيمية ( من مجموع الفتاوى ) 322، 323).‏
ومقتضى كلامه -رحمه الله- أن لفظ التوفي في الآية يراد به القبض، أي أن الله قبض عبده ‏عيسى عليه السلام بروحه وبدنه ورفعه إلى السماء، والتوفي الذي هو بمعنى الموت هو أن ‏يتوفى الروح فقط، بأن يفرق بينها وبين البدن، وبهذا يعلم أنه لا تعارض بين الآية ‏المذكورة وغيرها من أدلة رفعه بل هي موافقة لها.‏
والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني