[ ص: 502 ]    100 - فصل  
في أحكام ذبائحهم .  
قال تعالى :  وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم      .  
ولم يختلف السلف أن المراد بذلك الذبائح .  
قال   البخاري     : قال   ابن عباس     : طعامهم ذبائحهم .  
وكذلك قال   ابن مسعود  ومجاهد  وإبراهيم  وقتادة  والحسن  وغيرهم .  
 [ ص: 503 ] وقال   أحمد بن الحسن الترمذي     : سألت  أبا عبد الله  عن  ذبائح  أهل الكتاب    فقال : لا بأس بها ، فقلت : إلى أي شيء تذهب فيه ؟ قال : حديث   عبد الله بن مغفل  يوم فتح  خيبر      : "  ولي جراب من شحم     " الحديث .  
قال  إسحاق     : أجاد .  
وقال  حنبل     : سمعت  أبا عبد الله  يقول : تؤكل ذبيحة اليهودي      [ ص: 504 ] والنصراني .  
وقال   إسحاق بن منصور     : قال  أبو عبد الله     : لا بأس أن يذبح أهل الكتاب للمسلمين غير النسيكة .  
وقال  حنبل     : سمعت  أبا عبد الله  قال : لا بأس بذبيحة أهل الكتاب إذا أهلوا لله وسموا عليه ، قال تعالى :  ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه   ،      [ ص: 505 ] والمسلم في قلبه اسم الله ، وما أهل لغير الله به مما ذبحوا لكنائسهم وأعيادهم يجتنب ذلك ، وأهل الكتاب يسمون على ذبائحهم أحب إلي .  
وقال  مهنا بن يحيى     : سألت  أبا عبد الله  عن  ذبائح  السامرة    ، قال : تؤكل ، هم من أهل الكتاب .  
وقال  عبد الله بن أحمد     : قال أبي : لا بأس  بذبائح أهل الحرب إذا كانوا من  أهل الكتاب       .  
وقال  ابن المنذر     : أجمع على هذا كل من يحفظ عنه من أهل العلم .  
وتفردت  الشيعة   دون الأمة بتحريم ذبائحهم ، واحتجوا بأن      [ ص: 506 ] الذكاة الشرعية لم تدركها ، وبأنه إجماع أهل البيت ، وبأن  التسمية شرط في الحل   ، ولا يعلم أنهم يسمون ، وخبرهم لا يقبل ، وبأنهم لو سموا لم يسموا الله في الحقيقة ; لأنهم غير عارفين بالله .  
قالوا : والآية مخصوصة بما سوى الذبائح لما ذكرنا من الدليل .  
وهذا القول مخالف للكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلا يلتفت إليه .  
وأما احتجاجهم بأن الذكاة الشرعية لم تدركها ، فإن أرادوا بالذكاة الشرعية ما أباح الله ورسوله الأكل بها فهذه ذكاة شرعية ، وإن أريد بها ذكاة المسلم لم يلزم من نفيها نفي الحل ، ويصير الدليل هكذا : لأن ذكاة المسلم لم تدركها ، فغيروا العبارة وقالوا : لم تدركها الذكاة الشرعية .  
وأما قولهم : إنه إجماع أهل البيت ، فكذب على أهل البيت .  
وللشيعة   طريقة معروفة ، يقولون لكل ما تفردوا به عن جماعة المسلمين : هذا إجماع أهل البيت وهذا   عبد الله بن عباس  عالم أهل البيت يقول : كلوا من ذبائح  بني تغلب   ، وتزوجوا من نسائهم فإن الله يقول في كتابه :  ومن يتولهم منكم فإنه منهم   ، فلو لم يكونوا منهم إلا      [ ص: 507 ] بالولاية لكانوا منهم .  
قال   سليمان بن حرب     : ثنا   حماد بن سلمة  عن   عطاء بن السائب  عن  عكرمة  عنه .  
وإنما دخلت عليهم الشبهة من جهة أن  عليا  رضي الله عنه كان يكره  ذبائح نصارى  بني تغلب       .  
 [ ص: 508 ]  [ ص: 509 ] قال  محمد بن موسى     : قلت  لأبي عبد الله     :  نصارى بني تغلب   تؤكل ذبائحهم ؟ فقال : فيما أحسب ، هذا عن  علي     : لا تؤكل ذبائحهم بإسناد صحيح .  
وقال   إسحاق بن منصور     : سألت  أحمد  عن ذبائح  نصارى بني تغلب   ، فقال : ما أثبته عن  علي     .  
وهذه مسألة تنازع فيها السلف والخلف وفيها عن  أحمد  روايتان .      [ ص: 510 ] وقال  الأثرم     : قلت  لأحمد     : ذبائح نصارى العرب ، ما ترى فيها ؟  بني تغلب   وغيرهم من العرب ، فقال : أما  علي  فكرهها وقال : إنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر ،   وابن عباس  رخص فيها ، وقد تقدمت المسألة .  
وأما قولهم : إن التسمية شرط في الحل ، فلعمر الله إنها لشرط بكتاب الله وسنة رسوله ، وأهل الكتاب وغيرهم فيها سواء ، فلا يؤكل متروك التسمية سواء ذبحه مسلم أو كتابي ، لبضعة عشر دليلا مذكورة في غير هذا الموضع .  
 [ ص: 511 ]  [ ص: 512 ] وأما قولهم : إنه لا يعلم هل سمي أم لا ، فهذا لا يدل على التحريم ; لأن الشرط متى شق العلم به وكان فيه أعظم الحرج سقط اعتبار العلم به كذبيحة المسلم ، فإن التسمية شرط فيها ولا يعتبر العلم بذلك ، وقد ثبت  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قيل له : إن ناسا يأتوننا باللحم لا ندري أسموا الله أم لا ، فقال : سموا أنتم وكلوا     .  
وقولهم : إن قوله غير مقبول لو صح ذلك لم يجز بيعه ولا شراؤه ولا معاملته ولا أكل طعامه ; لأنه إنما يستند إلى قوله فيه .  
وقولهم : إنهم لا يسمون الله لأنهم غير عارفين به ، حجة في غاية الفساد ؛ فإنهم يعرفون أنه خالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وإن جهلوا بعض صفاته أو أكثرها ، فالمعرفة التامة ليست بشرط لتعذرها ، وأصل المعرفة معهم .  
وأما تخصيص الآية بما عدا الذبائح فمخالف لإجماع الصحابة ومن بعدهم ، وللسنة الصحيحة الصريحة ومستلزم لحملها على ما لا فائدة فيه ، فإن الفاكهة والحبوب ونحوها لا تسمى من طعامهم ، بخلاف ذبائحهم ، ففهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماعة المسلمين بعدهم أولى من فهم "  الرافضة      " ، وبالله التوفيق .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					