135 - فصل  
فإن قال : "  كلما أسلمت واحدة اخترتها      " ، فقال الأصحاب : لا يصح لأن الاختيار لا يصح تعليقه على الشروط ، ولا يصح في غير      [ ص: 752 ] معين ، ويحتمل أن يصح ، ولا يمتنع تعليق الاختيار على الشرط ، كما يصح تعليق الجعالة ، والولاية ، والوكالة ، والعتق ، والطلاق ، وكذلك يصح أيضا تعليق الرجعة بالشرط ، وإن قال كثير من أصحابنا وغيرهم : لا يصح .  
والأصل في الشروط الصحة ، والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما ، أو حرم حلالا ، وكذلك  الهبة يجوز تعليقها بالشرط   كما ثبت ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - : "  أما ما كان لي  ولبني عبد المطلب   فهو لك     " .  
وكذلك هبة الثواب يجوز تعليقها بالشرط ، نحو : اللهم إن كنت قبلت مني هذا العمل فاجعل ثوابه لفلان .  
وكذلك الدعاء في صلاة الجنازة يجوز تعليقه بالشرط نحو : اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه .  
 [ ص: 753 ] وكذلك الإبراء يجوز تعليقه بالشرط ، وقد نص عليه  أحمد  ، والعجب ممن منع تعليقه ، وهو إسقاط محض ، فهو كالطلاق ، والعتق .  
وكذلك الفسوخ كلها يجوز تعليقها بالشرط .  
وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - : "  أميركم  زيد  ، فإن قتل ،  فجعفر  ، فإن قتل   فعبد الله بن رواحة     " .  
وفي " سنن  أبي داود     " من  حديث  طارق بن المرقع  أنه قال : " من      [ ص: 754 ]  [ ص: 755 ] يعطي رمحا بثوابه ؟ فقال له رجل : وما ثوابه ؟ قال : أزوجه أول بنت تكون لي " .  
فلما ولدت طلبها منه بعد كبرها فحلف ألا يعطيها إياه إلا بصداق آخر ، وحلف الزوج ألا يصدقها غير ذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " أرى أن تتركها " ثم قال : " لا تأثم ولا يأثم صاحبك "  ولم ينكر عليه الشرط ولم يقل له : لا نكاح بينكما .  
وقد نص  أحمد  ، وقبله   ابن عباس  على جواز  تعليق النكاح بالشرط   ، وهذا هو الصحيح .  
فقال  الأثرم     : سألت  أبا عبد الله  عن الرجل تزوج المرأة على أنه إن جاء بالمهر إلى كذا وكذا ، وإلا فلا نكاح بيننا ؟ فقال : لا أدري ، فقيل له : حديث   ابن عباس     : النكاح ثابت ، والشرط فاسد ؟ قال : نعم .  
ونقل عنه  ابن منصور     : إذا قال : " إن جئت بالمهر إلى كذا وكذا ، وإلا فليس بيننا نكاح " فالنكاح والشرط جائزان ، وهذا هو الذي تقتضيه      [ ص: 756 ] أصوله وقواعد مذهبه ، ومن ضعف هذه الرواية لم يضعفها بما يقتضي تضعيفها .  
وغاية ما قالوا : إن النكاح مما لا يدخله الخيار ، فشرطه فيه يفسده كالصرف والسلم ، فيقال : نقنع منكم بسؤال المطالبة ، وهو تأثير الوصف في الأصل ، وثبوته في الفرع ، ثم نتبرع بالفرق بأن السلم ، والصرف يجب تسليم العوض فيه في مجلس العقد بخلاف النكاح .  
قالوا : الخيار ينفي الإباحة في وقت يقتضي إطلاق العقد ثبوته ، فصار كما لو تزوجها شهرا ، وحقيقة هذا القياس التسوية بين العقد المطلق والمقيد ، وهذا منتقض بسائر الشروط التي ثبتت في العقد المقيد دون المطلق ، ثم يقال : كون العقد المطلق لا يقتضي ثبوتها لا يقتضي أن العقد المقيد لا يقتضي ثبوتها ، بل مقتضى العقد المقيد ما قيد به ، فهذا إذن مقتضى هذا العقد ، وإن لم يكن مقتضى العقد المطلق .  
قالوا : فقد قال  أحمد  في رواية  حنبل     : المتعة حرام وكل نكاح فيه وقت أو شرط فهو فاسد .  
قيل : هذا لفظ عام ، وما ذكرناه عنه فهو خاص ، وكلام " المغني "      [ ص: 757 ] يقيد مطلقه بمقيده ، وخاصه بعامه ، كيف وقد علم من مذهبه تخصيص هذا العام ؟ فإنه يصحح النكاح ألا يخرجها من دارها ، وألا يتزوج ولا يتسرى عليها ، ومتى فعل ذلك فلها الخيار ، وهذا نظير إن جاءها بالمهر إلى وقت كذا ، وإلا فلها الخيار ، فالصواب التسوية بينهما .  
وقوله : " كل نكاح فيه وقت أو شرط فهو فاسد " إنما أراد به شرط التحليل كما صرح به في غير موضع ، ولهذا قرنه بالمتعة ، والجامع بينهما أن المستمتع ، والمحلل لا غرض لهما في نكاح الرغبة .  
فإن قيل : قياس قواعده وأصوله بطلان هذا النكاح المشروط فيه الخيار ؛ لأنه قد أبطل  نكاح المحلل   لما فيه من الشرط المانع من لزومه ، قيل : هو لم يبطل نكاح المحلل لذلك ، وإنما أبطله لأنه نكاح محرم ، ملعون فاعله ، منهي عنه ، ولهذا لو قصد بقلبه التحليل ، ولم يشرطه ، أو شرط أن يحلها للأول فقط ، ولم يشرط طلاقها ، كان نكاحا باطلا مع أنه لا شرط هناك يمنع لزومه .  
وأحمد  عنه في هذه المسألة ثلاث روايات منصوصات :  
الأولى : صحة النكاح ، والشرط - وهي أنص الروايات عنه ، وأصرحها ، نقلها ابن منصور كما تقدم .  
 [ ص: 758 ] و  
[ الثانية : ] صحة النكاح ، وفساد الشرط كما نقل الأثرم .  
و  
[ الثالثة : ] فساد الشرط والنكاح ، وهي التي نقلها  حنبل  باللفظ العام .  
والمقصود أن تعليق الاختيار على الإسلام يصح ، ويصح تعليق الفسخ أيضا على الشرط ، وهو أولى بالصحة لأنه إزالة ملك ، فهو كتعليق الطلاق والعتاق .  
وقال أصحابنا : لا يصح ، ولهم في صحة  تعليق الطلاق   هاهنا وجهان : فإذا قال : " كل من تمسكت بدينها فهي طالق " فهل يصح ؟ ! على وجهين : ووجه البطلان أن الطلاق يتضمن الاختيار ، وهو مما لا يصح تعليقه بالشرط ، والمقدمتان ممنوعتان كما تقدم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					