ذكر سبب تصنيفه الجامع :
قرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي ، عن الحافظ أبي الحجاج المزي ، أن يوسف بن يعقوب أخبره : أنا أبو اليمن الكندي ، أنا أبو منصور القزاز ، أنا الخطيب ، أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب ، أنا محمد بن نعيم ، سمعت خلف بن محمد البخاري ببخارى يقول : سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول : قال : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري : كنت عند إسحاق بن راهويه ، فقال لنا بعض أصحابنا : لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : فوقع ذلك في قلبي ، فأخذت في [ ص: 420 ] جمع هذا الكتاب يعني الصحيح .
وقال إبراهيم بن معقل : سمعت محمد بن إسماعيل ، يقول : ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح ، وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب .
أنبئت عن غير واحد ، عن جعفر بن علي ، أن السلفي أخبره ، أنا الرازي ، أنا عبد الله بن الوليد ، ثنا أحمد بن الحسن بن بندار ، ثنا ابن عدي ، سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول : سمعت إبراهيم بن معقل يقول ذلك .
(وقال محمد بن سليمان بن فارس : سمعت البخاري يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كأنني واقف بين يديه ، وبيدي مروحة أذب عنه ، فسألت عنه بعض المعبرين ، فقال لي : أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الصحيح ) .
وقال أبو الفضل بن طاهر الحافظ : كان البخاري عمل قبل كتاب الصحيح كتابا ، يقال له "المبسوط" وجمع فيه جميع حديثه على الأبواب ، ثم نظر إلى أصح الحديث على ما يرسمه فأخرجه بجميع طرقه ، فربما صح الحديث عنده من طرق فأخرجه بجميع طرقه ، فلو أخرج طريقا واحدا منها لاستدرك عليه الثاني ، ولو أخرجها كلها في موضوع واحد احتاج في الباب الآخر إلى حديث موافق للمعنى الذي سطر له الباب ، فكأنه رأى أن يوردها على المعاني التي فيها في كل باب يدخل ذلك الحديث فيه ، قال : وعندي أن إعادته الحديث مما يدل على فضله ، وفقهه ، وكثرة حديثه ، فإنه يستخرج من الحديث الواحد المعاني الكثيرة الفقهية ، ثم يستدل بكل معنى في باب بإسناد آخر بالحديث عن شيخ ، عن غير الشيخ الذي حدث به في الباب المتقدم ، وقل ما يورد في كتابه حديثا في موضعين بإسناد واحد ، ولفظ واحد ، وإنما يكرره على هذه القاعدة .
[ ص: 421 ] وقال أبو الهيثم الكشميهني : سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول : قال محمد بن إسماعيل البخاري : ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك ، وصليت ركعتين .
وقال البخاري : صنفت الصحيح في ست عشرة سنة ، وخرجته من ستمائة ألف حديث ، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله ، وفي رواية عنه خرجته من زهاء ستمائة ألف حديث .
وقال أبو سعد الإدريسي : أنا سليمان بن داود المهروي ، سمعت عبد الله بن محمد بن حامد بن هاشم ، يقول : قال عمر بن محمد بن بجير : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام ، وما أدخلت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى ، وصليت ركعتين ، وتيقنت صحته .
قال ابن طاهر : الأصح أنه صنفه ببخارى .
قلت : قد تقدم عنه أنه صنفه في (ست ) عشرة سنة ، فيحمل أنه كان يصنفه في البلاد التي يرحل إليها ، فلا تنافي بين القولين .
وقال الفربري : سمعت وراق البخاري يقول : رأيت البخاري في المنام خلف [ ص: 422 ] النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والنبي ، صلى الله عليه وسلم ، يمشي ، فكلما رفع النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قدمه وضع أبو عبد الله قدمه في ذلك الموضع .
أخبرنا أبو العباس البغدادي ، عن يوسف بن أبي الزهر الحافظ ، أن أبا الفتح الشيباني أخبره : أنا زيد بن الحسن ، أنا عبد الرحمن بن محمد ، أنا أحمد بن علي الحافظ ، أنا أبو سعد الماليني ، أنا أبو أحمد بن عدي ، سمعت الفربري يقول : سمعت نجم بن فضيل وكان من أهل الفهم يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام ، خرج من قرية ، والبخاري يمشي خلفه ، فكان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي ، صلى الله عليه وسلم .
وبه إلى أحمد بن علي ، قال : كتب إلى علي بن محمد بن محمد بن الحسين الجرجاني من أصبهان أنه سمع أبا محمد بن مكي يقول : سمعت الفربري ، يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في النوم ، فقال لي : أين تريد؟ فقلت : أريد محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال : أقرئه مني السلام .
قرأنا على فاطمة وعائشة ابنتي المحتسب محمد بن عبد الهادي ، بصالحية دمشق ، أخبركم أحمد بن أبي طالب ، عن عبد الله بن عمر بن علي ، أن أبا الوقت أخبره ، أنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري ، أنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهروي ، سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول : سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي ، يقول : سمعت أبا زيد المروزي الفقيه يقول : كنت نائما بين الركن والمقام ، فرأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام ، فقال لي : يا أبا زيد ! إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت : يا رسول الله ! وما كتابك؟ قال : جامع محمد بن إسماعيل .
قلت : إسناد هذه الحكاية صحيح . ورواتها ثقات أئمة ، وأبو زيد من كبار [ ص: 423 ] الشافعية له وجه في المذهب ، وقد سمع صحيح البخاري من الفربري ، وحدث به عنه ، وهو أجل من حدث به عن الفربري .
وقال أبو عبد الرحمن النسائي : ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل .
وقال العقيلي : لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم ، فاستحسنوه ، وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث . قال العقيلي : والقول فيها قول البخاري ، وهي صحيحة .


