الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          ذكر سبب تصنيفه الجامع   :

                                                                                                                                                                                          قرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي ، عن الحافظ أبي الحجاج المزي ، أن يوسف بن يعقوب أخبره : أنا أبو اليمن الكندي ، أنا أبو منصور القزاز ، أنا الخطيب ، أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب ، أنا محمد بن نعيم ، سمعت خلف بن محمد البخاري ببخارى يقول : سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول : قال : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري : كنت عند إسحاق بن راهويه ، فقال لنا بعض أصحابنا : لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : فوقع ذلك في قلبي ، فأخذت في [ ص: 420 ] جمع هذا الكتاب يعني الصحيح .

                                                                                                                                                                                          وقال إبراهيم بن معقل : سمعت محمد بن إسماعيل ، يقول : ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح ، وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب .

                                                                                                                                                                                          أنبئت عن غير واحد ، عن جعفر بن علي ، أن السلفي أخبره ، أنا الرازي ، أنا عبد الله بن الوليد ، ثنا أحمد بن الحسن بن بندار ، ثنا ابن عدي ، سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول : سمعت إبراهيم بن معقل يقول ذلك .

                                                                                                                                                                                          (وقال محمد بن سليمان بن فارس : سمعت البخاري يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كأنني واقف بين يديه ، وبيدي مروحة أذب عنه ، فسألت عنه بعض المعبرين ، فقال لي : أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الصحيح ) .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو الفضل بن طاهر الحافظ : كان البخاري عمل قبل كتاب الصحيح كتابا ، يقال له "المبسوط" وجمع فيه جميع حديثه على الأبواب ، ثم نظر إلى أصح الحديث على ما يرسمه فأخرجه بجميع طرقه ، فربما صح الحديث عنده من طرق فأخرجه بجميع طرقه ، فلو أخرج طريقا واحدا منها لاستدرك عليه الثاني ، ولو أخرجها كلها في موضوع واحد احتاج في الباب الآخر إلى حديث موافق للمعنى الذي سطر له الباب ، فكأنه رأى أن يوردها على المعاني التي فيها في كل باب يدخل ذلك الحديث فيه ، قال : وعندي أن إعادته الحديث مما يدل على فضله ، وفقهه ، وكثرة حديثه ، فإنه يستخرج من الحديث الواحد المعاني الكثيرة الفقهية ، ثم يستدل بكل معنى في باب بإسناد آخر بالحديث عن شيخ ، عن غير الشيخ الذي حدث به في الباب المتقدم ، وقل ما يورد في كتابه حديثا في موضعين بإسناد واحد ، ولفظ واحد ، وإنما يكرره على هذه القاعدة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 421 ] وقال أبو الهيثم الكشميهني : سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول : قال محمد بن إسماعيل البخاري : ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك ، وصليت ركعتين .

                                                                                                                                                                                          وقال البخاري : صنفت الصحيح في ست عشرة سنة ، وخرجته من ستمائة ألف حديث ، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله ، وفي رواية عنه خرجته من زهاء ستمائة ألف حديث .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو سعد الإدريسي : أنا سليمان بن داود المهروي ، سمعت عبد الله بن محمد بن حامد بن هاشم ، يقول : قال عمر بن محمد بن بجير : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : صنفت كتابي الجامع في المسجد الحرام ، وما أدخلت فيه حديثا حتى استخرت الله تعالى ، وصليت ركعتين ، وتيقنت صحته .

                                                                                                                                                                                          قال ابن طاهر : الأصح أنه صنفه ببخارى .

                                                                                                                                                                                          قلت : قد تقدم عنه أنه صنفه في (ست ) عشرة سنة ، فيحمل أنه كان يصنفه في البلاد التي يرحل إليها ، فلا تنافي بين القولين .

                                                                                                                                                                                          وقال الفربري : سمعت وراق البخاري يقول : رأيت البخاري في المنام خلف [ ص: 422 ] النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والنبي ، صلى الله عليه وسلم ، يمشي ، فكلما رفع النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قدمه وضع أبو عبد الله قدمه في ذلك الموضع .

                                                                                                                                                                                          أخبرنا أبو العباس البغدادي ، عن يوسف بن أبي الزهر الحافظ ، أن أبا الفتح الشيباني أخبره : أنا زيد بن الحسن ، أنا عبد الرحمن بن محمد ، أنا أحمد بن علي الحافظ ، أنا أبو سعد الماليني ، أنا أبو أحمد بن عدي ، سمعت الفربري يقول : سمعت نجم بن فضيل وكان من أهل الفهم يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام ، خرج من قرية ، والبخاري يمشي خلفه ، فكان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى أحمد بن علي ، قال : كتب إلى علي بن محمد بن محمد بن الحسين الجرجاني من أصبهان أنه سمع أبا محمد بن مكي يقول : سمعت الفربري ، يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في النوم ، فقال لي : أين تريد؟ فقلت : أريد محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال : أقرئه مني السلام .

                                                                                                                                                                                          قرأنا على فاطمة وعائشة ابنتي المحتسب محمد بن عبد الهادي ، بصالحية دمشق ، أخبركم أحمد بن أبي طالب ، عن عبد الله بن عمر بن علي ، أن أبا الوقت أخبره ، أنا شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري ، أنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهروي ، سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول : سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي ، يقول : سمعت أبا زيد المروزي الفقيه يقول : كنت نائما بين الركن والمقام ، فرأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في المنام ، فقال لي : يا أبا زيد ! إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت : يا رسول الله ! وما كتابك؟ قال : جامع محمد بن إسماعيل .

                                                                                                                                                                                          قلت : إسناد هذه الحكاية صحيح . ورواتها ثقات أئمة ، وأبو زيد من كبار [ ص: 423 ] الشافعية له وجه في المذهب ، وقد سمع صحيح البخاري من الفربري ، وحدث به عنه ، وهو أجل من حدث به عن الفربري .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو عبد الرحمن النسائي : ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل .

                                                                                                                                                                                          وقال العقيلي : لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على علي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهم ، فاستحسنوه ، وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث . قال العقيلي : والقول فيها قول البخاري ، وهي صحيحة .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية