فصل في : بيان شرطه فيه ، وما اتصل بذلك من قصته مع الذهلي
أخبرنا أبو الفرج بن حماد ، أنا ، عن يونس بن أبي إسحاق علي بن الحسين ، أنا المبارك بن أحمد في كتابه ، قال : قال أبو الفضل محمد بن طاهر الحافظ : أعلم أن البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور ، من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ، ويكون إسناده متصلا ، غير مقطوع ، وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن ، وإن لم يكن له إلا راو واحد ، وصح الطريق إليه أخرجاه . شرط
قال : وأما ما أخبرنا أبو بكر بن خلف ، عن ، قال : القسم الأول من الصحيح اختيار الحاكم أبي عبد الله البخاري ومسلم ، وهو الدرجة الأولى من الصحيح : ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وله راويان ثقتان ، ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابي ، وله راويان ثقتان ، ثم يرويه عنه من اتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور ، وله رواة من الطبقة الرابعة ، ثم يكون شيخ ، البخاري ومسلم حافظا ، متقنا ، مشهورا .
[ ص: 424 ] قال ابن طاهر : وهذا الشرط حسن لو كان موجودا في كتابيهما إلا أن قاعدته منتقضة ، فإن أخرج حديث البخاري المسيب بن حزن ، ولم يرو عنه غير ابنه سعيد ، وحديث ، ولم يرو عنه غير عمرو بن تغلب ، وغير ذلك ، فبان أن القاعدة انتقضت على الحسن البصري . الحاكم
أخبرنا أبو الحسن بن أبي المجد ، عن محمد بن يوسف ، أن العلامة تقي الدين بن الصلاح ، أخبره ، قال : أول من صنف في الصحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي ، وتلاه ، قال : وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز . مسلم بن الحجاج
وأما ما رويناه عن الإمام الشافعي عن أنه قال : "ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ، ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ ، فإنما قال ذلك قبل وجود الكتابين ، ثم إن كتاب أصح الكتابين صحيحا ، وأكثرهما فوائد . البخاري
وأما ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري ، أستاذ من أنه قال : ما تحت أديم السماء [كتاب] أصح من كتاب الحاكم ، فهذا [و] قول من فضل من شيوخ مسلم بن الحجاج المغرب كتاب على مسلم ، إن كان المراد أن كتاب البخاري يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح ، فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث [الصحيح] مسرودا ، غير ممزوج بمثل ما في كتاب مسلم ، في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح ، فهذا لا بأس به ، وليس يلزم منه أن كتاب البخاري أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على كتاب مسلم ، وإن كان المراد به أن كتاب البخاري أصح صحيحا فهذا مردود على من يقوله . مسلم
وقرأت بخط العلامة أبي زكريا النووي ، رحمه الله ، واتفق الجمهور على أن [ ص: 425 ] صحيح أصحهما صحيحا ، وأكثرهما فوائد ، قال : وقال البخاري الحافظ أبو علي النيسابوري وبعض علماء المغرب : صحيح أصح . وأنكر العلماء عليهم ذلك والصواب ترجيح صحيح مسلم . البخاري
قلت : لم يصرح أبو علي بأن كتاب أصح من كتاب مسلم ، بل المنقول عنده ما قدمناه بلفظه ، ولعل مراده هو الذي تخيله البخاري ابن الصلاح . ثم ظهر لي مراد ، وهو أن أبي علي مسلما لما صنف كتابه صنفه ببلده من كتبه ، فألفاظ المتون التي عنده محررة . صنفه في بلاد كثيرة ، في سنين عديدة ، وكتب منه كثيرا من حفظه ، فوقع في بعض المتون رواية بالمعنى واختصار وحذف ، فلذا قال والبخاري أبو علي ما قال ، مع أن قوله معارض ، يقول الحاكم أبي أحمد الكرابيسي أستاذ أيضا ، فإنه قال فيما أخبرنا الحاكم عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله ، عن أحمد بن بيان ، عمن سمع السلفي ، أنا إسماعيل بن عبد الجبار ، أنا ، سمعت الحافظ أبو يعلى الخليلي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة ، يقول : سمعت أبا أحمد الكرابيسي الحافظ ، رحمه الله ، يقول : رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام . فإنه الذي ألف الأصول ، وبين للناس . وكل من عمل بعده ، فإنما أخذه من كتابه كمسلم بن الحجاج ، فرق أكثر كتابه في كتابه ، وتجلد فيه حق الجلادة ، حيث لم ينسبه إليه ، ومنهم من أخذ كتابه ، فنقله بعينه إلى نفسه ، كأبي زرعة ، ، فإن عاند الحق معاند فيما ذكرت ، فليس يخفى صورة ذلك على ذوي الألباب . وأبي حاتم
[ ص: 426 ] وقال في كتاب المدخل له : أما بعد فإني نظرت في الجامع الذي ألفه الإسماعيلي ، فرأيته كتابا جامعا - كما سمى - لكثير من السنن الصحيحة ، ودالا على جمل من المعاني الحسنة المستنبطة التي لا يكمل لمثلها إلا من جمع من معرفة علم الحديث ونقلته ، والعلم بالروايات وعللها ، علما بالفقه واللغة ، وتمكنا منها ، وتبحرا فيها ، وكان - يرحمه الله - الرجل الذي قصر زمانه وعمره على تتبع الأخبار ، وطلبها من مظانها ، وعانى الرجل فيها ، والإقامة على أهلها في كل مصر من الأمصار المعروفة ، وقصد من كان معروفا في عصره في عامة الأطراف من المحدثين المشهورين بالمعرفة ، فبرع في ذلك ، وبلغ الغاية ، واجتهد في حسن الوصف والتأليف ، فحاز قصب السبق في ذلك ، وجمع إلى ذلك حسن النية والقصد للخير ، فنفعه الله ونفع به . أبو عبد الله البخاري
قال : وقد سمعت من يحكي عنه أنه قال : لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا ، وما تركت من الصحيح أكثر . الإسماعيلي
قال : فإخراجه ما أخرج صحيح محكوم بصحته ، وليس ترك ما ترك حكما منه بإبطاله ، وقد نحا نحوه ممن عرفته من المؤلفين جماعة . الإسماعيلي
منهم الحسن بن علي الحلواني الخلال ، فجمع ولم يفصل ، واقتصر على اليسير [ ص: 427 ] من الكثير .
ومنهم ، وهو في عصر أبو داود السجستاني أبي عبد الله ، فسلك فيما (سلكه ) شيئا ، ذكر ما (روي في الشيء ) وإن كان في السند ضعيف ، إذا لم يرو فيها غيره ، وذكر الشيء وخلافه ، في الظاهر من غير تنبيه على مخرجها .
ومنهم وهو أيضا يقارب مسلم بن الحجاج عبد الله في العصر ، فرام مرامه ، وكان أيضا ممن يأخذ عنه ، أو عن كتبه ، إلا أنه لم يضايق نفسه مضايقة أبي عبد الله . وروى عن جماعة كثيرة لم (يعرض ) محمد بن إسماعيل للرواية عنهم ، وكل قصد الخير ، وما هو الصواب عنده ، غير أن أحدا منهم لم يبلغ من التشديد مبلغ أبي عبد الله ، ولا تسبب إلى استنباط المعاني ، واستخراج لطائف فقه الحديث ، وتراجم الأبواب الدالة على ما له وصلة بالحديث المروي فيه بسببه ، ولله الفضل يختص به من يشاء .
قلت : ومما يرجح به كتاب اشتراط اللقي في الإسناد المعنعن ، وهو مذهب البخاري شيخه ، وعليه العمل من المحققين من أهل الحديث ، بخلاف علي بن المديني فإنه ذكر في خطبة كتابه : إنه يكتفي بإمكان اللقي وبالمعاصرة ، ونقل فيه الإجماع ، وهو منتقض عليه ، وزعم أن الذي اشترط اللقي اخترع شيئا لم يوافقه عليه أحد ، وليس كذلك ، بل هو (المتعين ) ، ومنه يظهر أن شرط مسلم أضيق من [ ص: 428 ] شرطه ، فلذا كان البخاري أشد تحريا ، وأقوى (توقيا ) . وقد قال الإمام الحافظ الناقد الذي لم تخرج البخاري بغداد مثله ، : لولا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني لما راح البخاري ولا جاء . هذا مع اعتراف مسلم مسلم للبخاري بالفضل والتقدم في الفن ، ومسألته إياه عن العلل ، ورجوعه إليه فيها ، ومعاداته ، شيخ بلده لأجله ، فقد قرأت على لمحمد بن يحيى الذهلي عبد الله بن محمد المقدسي ، أنبأكم أحمد ابن نعمة شفاها ، عن جعفر بن علي ، أن السلفي أخبرهم : أنا أبو الفتح (الماكي ) القاضي ، أنا الخليل بن عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو محمد المخلدي في كتابه ، أنا أبو حامد الأعمش الحافظ ، قال : كنا عند ، محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء ، فسأله عن حديث مسلم بن الحجاج عبيد الله بن عمر ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : أبو عبيدة . الحديث بطوله . فقال بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية ، ومعنا : حدثنا البخاري ، ثنا أخي ، عن ابن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال عبيد الله ، وذكر الحديث بتمامه ، قال : فقرأ عليه إنسان حديث ، عن حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، (عن أبيه ) ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : أبي هريرة . فقال كفارة المجلس واللغو إذا قام العبد أن يقول : "سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك" : في الدنيا أحسن من هذا الحديث؟ مسلم ، عن ابن [ ص: 429 ] جريج ، عن موسى بن عقبة ، تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا؟ فقال سهيل بن أبي صالح محمد بن إسماعيل : إلا أنه معلول ، قال : "لا إله إلا الله ، وارتعد" ، أخبرني به ، قال : استر ما ستر الله ، هذا حديث جليل ، رواه الناس عن مسلم حجاج ، عن . فألح عليه ، وقبل رأسه ، وكاد أن يبكي ، فقال : أكتب إن كان (لا ) بد . ثنا ابن جريج ، ثنا موسى بن إسماعيل وهيب ، ثنا ، عن موسى بن عقبة عون ابن عبد الله ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ، فقال له "كفارة المجلس" : لا يبغضك إلا حاسد (وأشهد ) أن ليس في الدنيا مثلك ، قلت : إسناد هذه الحكاية صحيح . مسلم
وقد رواها في تاريخ الحاكم نيسابور ، عن أبي محمد المخلدي ، وقد رويت على لفظ آخر فقرأت على أبي محمد بن قدامة ، بصالحية دمشق ، عن محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء ، أن الحافظ أبا علي البكري ، أخبره : أنا ، أنا القاسم بن عبد الله بن عمر وجيه ابن طاهر ، أنا أحمد بن علي بن خلف . ح . وأنبئت ، عن أبي نصر الشيرازي عن جده ، أن الحافظ أبا القاسم بن عساكر ، أخبره : أنا أبو المعالي الفارسي ، أنا ، قالا : أنا أبو بكر البيهقي ، سمعت الحاكم أبو عبد الله الحافظ أبا نصر أحمد بن محمد الوراق ، يقول : سمعت أحمد بن حمدون القصار ، يقول : سمعت ، وجاء إلى مسلم بن الحجاج ، فقبل بين عينيه ، وقال : دعني حتى أقبل رجليك ، يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث (وعلله ) ، حدثك محمد بن إسماعيل البخاري محمد بن سلام ، ثنا ، أنا مخلد بن يزيد الحراني ، حدثني ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن أبيه ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في كفارة المجلس إلى هنا اتفقا ، وزاد أبي هريرة في روايته ، فقال البيهقي محمد بن إسماعيل : وحدثنا [ ص: 430 ] ، أحمد بن حنبل ، قالا : ثنا ويحيى بن معين ، عن حجاج بن محمد ، حدثني ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن أبيه ، عن سهيل بن أبي صالح ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : في أبي هريرة فقال كفارة المجلس ، أن يقول إذا قام من مجلسه : "سبحانك ربنا وبحمدك" محمد بن إسماعيل ، هذا حديث مليح ، ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا ، إلا أنه معلول ، حدثنا به ، ثنا موسى بن إسماعيل وهيب ، ثنا سهيل ، عن ، قوله . قال عون بن عبد الله محمد بن إسماعيل : هذا أولى ، ولا يذكر لموسى بن عقبة مسندا عن سهيل . هذا لفظ رواية ، وفي رواية الآخر ، فقال البيهقي محمد بن إسماعيل : لا أعلم في الباب غير هذا الحديث الواحد ، كذا وقع في علوم الحديث للحاكم ، وهو وهم ، لا يتصور وقوعه من مثل ، لأن في الباب جملة أحاديث من غير هذا الوجه . البخاري
وقال في التاريخ : لما استوطن الحاكم البخاري بنيسابور أكثر الاختلاف إليه ، فلما وقع بين مسلم بن الحجاج وبين الذهلي ما وقع بسبب مسألة اللفظ ، ومنع الناس عنه ، انقطعوا عنه إلا البخاري ، مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة ، فقال : إلا من قال باللفظ ، فلا يحل له أن يحضر مجلسنا ، فأخذ الذهلي رداءه فوق عمامته ، وقام على رؤوس الناس ، وبعث إلى مسلم ما كان كتب عنه على ظهر (حمال ) . الذهلي
قال : قدم الحاكم سنة خمسين ومائتين ، فأقام بها (خمس سنين ) يحدث على الدوام ، فسمعت البخاري محمد بن حامد البزار يقول : سمعت الحسن بن محمد بن جابر ، يقول : سمعت ، يقول : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه ، قال : فذهب الناس إليه ، وأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل [ ص: 431 ] في مجلس محمد بن يحيى الذهلي محمد بن يحيى ، فتكلم فيه بعد .
وقال حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت يقول : لما قدم مسلم بن الحجاج محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليا ، ولا عالما فعل به أهل نيسابور ما فعلوا بمحمد بن إسماعيل ، استقبلوه مرحلتين من البلد ، أو (ثلاث ) .
وقال في مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن يحيى الذهلي محمد بن إسماعيل غدا فليستقبله ، فإني أستقبله ، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور فدخل البلد ، فقال لنا محمد بن يحيى : لا تسألوه عن شيء من الكلام ، فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه ، وشمت بنا كل ناصبي ، ورافضي ، وكل جهمي ، ومرجئ بخراسان . قال فازدحم الناس على محمد بن إسماعيل ، حتى امتلأت الدار والسطوح ، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من قدومه ، قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن ، فقال : أفعالنا مخلوقة ، وألفاظنا من أفعالنا ، قال : فوقع بين الناس اختلاف ، فقال بعضهم : قال لفظي بالقرآن مخلوق . وقال [ ص: 432 ] بعضهم : لم يقل . فوقع بينهم اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض ، فاجتمع أهل الدار فأخرجوهم .
وقال ، ذكر لي جماعة من المشايخ ، أن أبو أحمد بن عدي محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس (عليه ) ، حسده بعض من كان في ذلك الوقت من المشائخ لما رأى من إقبال الناس عليه ، فقال لأصحاب الحديث : إن محمد بن إسماعيل يقول : اللفظ بالقرآن مخلوق ، فامتحنوه ، فلما حضر الناس مجلس قام إليه رجل . فقال : يا البخاري أبا عبد الله ! ما تقول في اللفظ بالقرآن؟ مخلوق هو أو غير مخلوق؟ فأعرض عنه ولم يجبه ثلاثا ، فالتفت إليه البخاري في الثالثة . فقال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، وأفعال العباد مخلوقة ، والامتحان بدعة ، فشغب الرجل وشغب الناس ، وتفرقوا عنه . البخاري
وقال : حدثنا الحاكم أبو بكر بن الهيثم ، ثنا الفربري ، قال : سمعت محمد بن إسماعيل ، يقول : (أما ) أفعال العباد مخلوقة ، فقد حدثنا علي بن عبد الله ، ثنا مروان ابن معاوية ، ثنا ، عن أبو مالك ربعي ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ، قال : وسمعت إن الله يصنع كل صانع وصنعته عبيد الله بن سعيد ، يقول : (سمعت يحيى بن سعيد ) يقول : ما زلت أسمع أصحابنا يقولون : إن أفعال العباد مخلوقة . قال محمد بن إسماعيل : حركاتهم ، وأصواتهم ، واكتسابهم ، وكتابتهم مخلوقة . فأما القرآن المبين : المثبت في (المصحف ) ، الموعى في القلوب ، فهو كلام الله غير مخلوق . قال الله تعالى : بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم .
[ ص: 433 ] قال : وقال : أما الأوعية ، فمن يشك أنها مخلوقة؟ (وقال ) إسحاق بن راهويه : سمعت أبو حامد بن الشرقي ، يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو مبتدع ، لا يجالس ، ولا يكلم ، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن يحيى الذهلي محمد بن إسماعيل ، فاتهموه ، فإنه لا يحضر مجلسه إلا من كان على مذهبه .
قلت : لم يصرح قط بقوله : لفظي بالقرآن مخلوق ، بل كان يتبرأ منها ، ويكذب من عزاها إليه ، مع اعتقاده أن حركة اللسان مخلوقة . البخاري
قرأت على فاطمة بنت المنجا بدمشق ، عن سليمان بن حمزة ، أن الضياء محمد بن عبد الواحد الحافظ ، أخبرهم : أنا السلفي في كتابه ، أنا المبارك بن عبد الجبار ، أنا هناد بن إبراهيم ، أنا محمد بن أحمد بن سليمان الحافظ ، ثنا خلف بن محمد بن إسماعيل ، سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر النيسابوري الخفاف (ببخارى) ، يقول : كنا يوما عند أبي إسحاق (القرشي ) ، ومعنا ، فجرى ذكر محمد بن نصر المروزي محمد بن إسماعيل فقال : سمعته يقول : من زعم أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو كذاب ، فإني لم أقله . فقلت له : يا محمد بن نصر أبا عبد الله ! قد خاض الناس في هذا فأكثروا ، فقال : ليس إلا ما أقول لك . قال أبو عمرو : فأتيت فناظرته في شيء من الحديث حتى طابت نفسه ، فقلت : يا البخاري أبا عبد الله ! ها هنا أحد يحكي عنك أنك تقول : لفظي بالقرآن مخلوق ، فقال : يا أبا عمرو ! [ ص: 434 ] احفظ ما أقول لك ، من زعم من أهل نيسابور (وغيرها سمى بلادا كثيرة ) أني قلت : لفظي بالقرآن مخلوق ، فهو كذاب ، فإني لم أقله إلا أني قلت : أفعال العباد مخلوقة .
وقال : سمعت الحاكم محمد بن صالح بن هانئ ، يقول : سمعت ، يقول : دخلت على أحمد بن سلمة ، فقلت : يا البخاري أبا عبد الله ! إن هذا رجل يعني ، مقبول الذهلي بخراسان خصوصا في هذه المدينة ، وقد لح في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه ، فما ترى؟ فقبض على لحيته ، ثم قال : وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ، ولا بطرا ، ولا طلبا للرئاسة ، وإنما أبت علي نفسي الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين ، وقد قصدني هذا الرجل حسدا لما آتاني الله لا غير ، ثم قال : يا أحمد ! إني خارج غدا لتتخلصوا من (حديثه ) لأجلي .
وقال الحافظ أبو عبد الله الأخرم : لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة من مجلس محمد بن يحيى ، بسبب ، قال البخاري : لا (يساكنني ) هذا الرجل في البلد ، فخشي الذهلي ، وسافر . البخاري
وقال : سمعت الحاكم أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه ، سمعت [ ص: 435 ] ، يقول : سألت محمد بن نعيم محمد بن إسماعيل لما وقع في شأنه ما وقع عن الإيمان فقال : قول وعمل ، ويزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، وأفضل أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي ، على هذا حييت وعليه أموت ، وعليه أبعث إن شاء الله .