الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم  وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن قاربن انقضاء العدة، و "البلوغ" ها هنا: بلوغ مقاربة، كما تقول: قد بلغت البلد، إذا قربت منه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "الأجل": آخر المدة، فأمسكوهن بمعروف أي: راجعوهن بما يتعارفه الناس بينهم مما تقبله النفوس ولا تنكره العقول.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 338 ] قال ابن جرير: أي بإشهاد على الرجعة  وعقد لها، لا بالوطء كما يجوز عند أبي حنيفة.

                                                                                                                                                                                                                                      أو سرحوهن بمعروف أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن، ويكن أملك بأنفسهن، ولا تمسكوهن ضرارا لا تراجعوهن مضارة وأنتم لا حاجة بكم إليهن، وكانوا يفعلون ذلك إضرارا بالمرأة.

                                                                                                                                                                                                                                      لتعتدوا أي: عليهن بتطويل العدة، ومن يفعل ذلك الاعتداء، فقد ظلم نفسه أي: ضرها وأثم فيما بينه وبين الله، ولا تتخذوا آيات الله هزوا قال أبو الدرداء: كان الرجل في الجاهلية يقول: إنما طلقت وأنا لاعب.

                                                                                                                                                                                                                                      فيرجع فيها، وينكح فيقول مثل ذلك، ويعتق فيقول مثل ذلك فيها، فأنزل الله هذه الآية، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "من طلق أو حرر أو نكح أو أنكح، فزعم أنه لاعب فهو جد"   .


                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: واذكروا نعمت الله عليكم قال عطاء: بالإسلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أنزل عليكم من الكتاب يعني القرآن، والحكمة يعني مواعظ القرآن، يعظكم به يدعوكم به إلى دينه، واعلموا أن الله بكل شيء عليم أي: أنه يجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فعلمه بما أتيا وعملا ؛ لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن أي: انقضت عدتهن، وبلوغ الأجل ها هنا: انقضاء العدة، لا بلوغ المقاربة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فلا تعضلوهن العضل: المنع: يقال: عضل فلان أمته، إذا منعها من التزوج.

                                                                                                                                                                                                                                      فهو يعضلها ويعضلها، أنشد الأخفش:


                                                                                                                                                                                                                                      وإن قصائدي لك فاصطنعي كرائم قد عضلن عن النكاح

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 339 ] نزلت الآية في أخت معقل بن يسار، وذلك ما:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا به محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن جعفر النحوي، أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق، أخبرني أحمد بن محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله، حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في هذه الآية: حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: " كنت زوجت أختا لي من رجل فطلقها حتى انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوجتك وأكرمتك وأفرشتك ثم طلقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليها أبدا، قال: وكان رجلا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله عز وجل هذه الآية، فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، فزوجتها إياه".

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري، عن أحمد بن حفص وقوله: أن ينكحن أزواجهن يريد: الذين كانوا أزواجا لهن، إذا تراضوا بينهم بالمعروف يعني: بعقد حلال، ومهر جائز.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 340 ] ونظم الآية: أن ينكحن أزواجهن بالمعروف إذا تراضوا بينهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الآية ما يقطع به على صحة قول من قال: لا نكاح إلا بولي.  

                                                                                                                                                                                                                                      لإجماع المفسرين أن الخطاب للأولياء، لو صح نكاح بدون ولي لم يتصور عضل، ولم يكن لنهي الله عن العضل  معنى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذلك يوعظ به ذلك: إشارة إلى ما سبق، أي: أمر الله الذي تلي عليكم من ترك العضل يوعظ به، من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر خص المؤمنين لأنهم أهل الانتفاع به، ذلكم أزكى لكم خير لكم وأفضل، وأطهر لقلوبكم من الريبة، وذلك أنهما إن كان في نفس كل واحد منهما علاقة حب يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى غير ما أحل الله.

                                                                                                                                                                                                                                      والله تعالى، يعلم ما لكم فيه من الصلاح في العاجل والآجل، وأنتم لا تعلمون أي: وأنتم غير عالمين إلا بما أعلمكم الله.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية