الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم بين ما أعد للكافرين، فقال: إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا  إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا  عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا  يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا  ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا  إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا  إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا  فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا  وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا  

                                                                                                                                                                                                                                      إنا أعتدنا للكافرين سلاسل يعني: في جهنم، كقوله تعالى: في سلسلة ذرعها الآية، وتقرأ: سلاسلا -بالتنوين- وكذلك قواريرا و قواريرا وفيه وجهان: أحدهما: أن من العرب من يصرف جميع ما لا ينصرف، وهو لغة الشعر، إلا أنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه، فجرت على ألسنتهم كذلك، والآخر: أن هذا الجمع أشبه الآحاد، لأنهم قالوا: صواحبات يوسف . ويقولون: مواليات في جمع الموالي، فمن حيث جمعوه جمع الآحاد المنصرفة، جعلوه في حكمها، فصرفوه، وقوله: وأغلالا يعني: في أيديهم تغل إلى أعناقهم، وسعيرا وقودا شديدا.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم ذكر ما أعد للشاكرين  ، فقال: إن الأبرار يعني: المطيعين لله، يشربون من كأس من إناء فيه شراب، كان مزاجها ما يمازجها، كافورا قال [ ص: 400 ] عطاء ، والكلبي : هو اسم عين ماء في الجنة. وقال مقاتل ، ومجاهد : يعني: الكافور الذي له رائحة طيبة، يمازجه ريح الكافور، وليس ككافور الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      ويدل على صحة القول الأول قوله: عينا قال الفراء : وهي كالمفسرة للكافور. وقال الأخفش : نصب عينا على وجه المدح، على أعني عينا. وقال الزجاج : الأجود أن يكون المعنى من عين يشرب بها عباد الله قال ابن عباس : أولياء الله. يفجرونها تفجيرا يفجرون تلك العين، بحيث يريدون، يقودونها حيث شاؤوا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يوفون بالنذر هذا من صفاتهم في الدنيا، أي: كانوا في الدنيا كذلك يوفون بطاعة الله من الصلاة والحج  ، وهو قول قتادة ، ومجاهد ، ومعنى النذر في اللغة: الإيجاب، والمعنى: ما أوجبه الله تعالى عليهم من الطاعات، وقال عكرمة : إذا نذروا في طاعات الله وفوا به. ويخافون يوما كان شره مستطيرا فاشيا، منتشرا، يقال: استطار الحريق إذا انتشر، واستطار الصبح، إذا انتشر ضوءه، قال مقاتل : كان شره فاشيا في السموات: فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وكورت الشمس والقمر، وفي الأرض: فنسفت الجبال، وغارت المياه، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل، وبناء، ففشا شر يوم القيامة فيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ويطعمون الطعام على حبه على حب الطعام، والمعنى: يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه، وصفهم الله تعالى بالأثرة على أنفسهم   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي ، أنا أبو عمرو بن أبي جعفر الزاهد ، أنا أحمد بن علي بن المثنى ، نا إسحاق بن إبراهيم ، نا عبيدة ، نا هشام ، عن الجارود ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة،  وما من مسلم كسا أخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة، ومن سقى مسلما على ظمإ ماء سقاه الله الرحيق" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية