الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير  قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير  يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين نزلت الآية في قوم من المؤمنين كانوا يباطنون اليهود ويوالونهم، نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويوالونهم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 428 ] ثم أوعد على ذلك فقال: ومن يفعل ذلك أي: اتخاذ الأولياء من الكفار، فليس من الله في شيء أي: من دين الله، والمعنى: أنه قد برئ منه وفارق دينه.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم استثنى فقال: إلا أن تتقوا منهم تقاة يقال: تقيته تقاة وتقى وتقية.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا في المؤمن إذا كان في قوم كفار ليس فيهم غيره، وخافهم على نفسه وماله، فله أن يداريهم باللسان، وقلبه مطمئن بالإيمان دفعا عن نفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: يعني: مداراة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                                                                      ويحذركم الله نفسه يخوفكم الله على موالاة الكفار عذاب نفسه، قال الزجاج: معنى نفسه: إياه، كأنه قال: وحذركم الله إياه.

                                                                                                                                                                                                                                      وإلى الله المصير أي: إليه يرجع الخلق كلهم بعد الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل إن تخفوا ما في صدوركم يعني: من مودة الكفار وموالاتهم، أو تبدوه أي: تظهروه، يعلمه الله أي: يجازيكم على ذلك; لأنه عالم به، ويعلم ما في السماوات وما في الأرض إتمام التحذير; لأنه إذا كان لا يخفى عليه شيء فكيف عليه الضمير؟ وقوله: والله على كل شيء قدير تحذير من عقاب من لا يعجزه شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا يريد بيان ما عملت بما ترى من صحائف الحسنات، ويجوز أن يكون المعنى: جزاء ما عملت بما ترى من الثواب، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا قال مقاتل: كما بين المشرق والمغرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن: يسر أحد أن لا يلقى عمله أبدا.

                                                                                                                                                                                                                                      والأمد: الغاية التي ينتهي إليها.

                                                                                                                                                                                                                                      والله رءوف بالعباد قال الحسن: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه ولم يهلكهم من غير تحذير.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 429 ]

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية