إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم
قوله تعالى: إذ قالت الملائكة قال يريد ابن عباس: جبريل.
يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه يعني عيسى عليه السلام، قال الحسن إنما قيل وقتادة: لعيسى: كلمة الله.
لأنه كان بكلمة الله، وهي كن.
والمعنى: أنه كان أوجده بالكلمة، وكونه بها من غير توليد من فحل.
وقوله اسمه المسيح قال في رواية ابن عباس عطاء إنما سمي والضحاك: عيسى مسيحا لأنه كان لا يمسح [ ص: 438 ] بيده ذا عاهة إلا برئ.
وقال "المسيح": الصديق. إبراهيم النخعي:
وقال هو بالسريانية: مشيحا، فعربته العرب. أبو عبيدة:
وقوله: وجيها في الدنيا والآخرة يعني "الوجيه": ذو الجاه والشرف والقدر، يقال: وجه الرجل يوجه فهو وجيه إذا صارت له منزلة رفيعة عند الناس.
وقوله: ومن المقربين إلى ثواب الله وكرامته.
وقوله: ويكلم الناس في المهد يعني: صغيرا، و "المهد": الموضع الذي مهد لنوم الصبي.
ويعني بكلامه في المهد: تبرئته أمه مما قرفت به، حين قال إني عبد الله آتاني الكتاب الآية، وقوله: وكهلا "الكهل": الذي اجتمع قوته وتم شبابه.
وقال يريد أنه يتكلم بكلام النبوة كهلا. ابن عباس:
ومن الصالحين قال: يريد: مثل موسى وإسرائيل وإسحاق وإبراهيم.
قوله: قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر تعجبت حين بشرت بولد من غير أب، لخروج ذلك عن العادة، و "البشر": الخلق، واحده وجمعه سواء.
قال كذلك الله يخلق ما يشاء أي: يخلق الله ما يشاء مثل ذلك من الأمر، وهو خلق الولد من غير مسيس.
وقوله: ويعلمه الكتاب يعني الكتابة، والحكمة العلم، والتوراة والإنجيل .
ورسولا إلى بني إسرائيل قال وتجعله رسولا. الزجاج:
أني قد جئتكم بآية من ربكم ثم ذكر [ ص: 439 ] تلك الآية فقال: أني أخلق لكم من الطين أي: أقدر وأصور، و "الخلق" معناه: التقدير في اللغة.
كهيئة الطير "الهيئة": الصورة المهيأة، من قولهم: هيأت الشيء، إذا قدرته.
فأنفخ فيه أي: في الطين، فيكون طيرا بإذن الله وقرأ نافع طائرا على معنى: يكون ما أنفخ فيه طائرا.
قال أخذ طينا فجعل منه خفاشا، ثم نفخ فيه، فإذا هو يطير. ابن عباس:
وأبرئ الأكمه أي: أجعله بصيرا بعد الكمه، وهو الذي يولد أعمى.
والأبرص وهو الذي به وضح، وأحي الموتى بإذن الله أحيا عازر وكان صديقا له، ودعا سام بن نوح من قبره، فخرج حيا، ومر عليه بابن عجوز على سرير ميتا فدعا الله عيسى فنزل عن سريره حيا، ورجع إلى أهله، وبقي، وولد له.
وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم قال بما أكلتم البارحة، وما خبأتم منه، وقال مجاهد: بما تأكلون من المائدة، وما تدخرون منها. قتادة:
وقوله: ومصدقا أي: وجئتكم مصدقا، لما بين يدي أي: الكتاب الذي أنزل من قبله، [ ص: 440 ] ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم قال المفسرون: أحل لهم على لسان المسيح: لحوم الإبل والثروب، وأشياء من الطير والحيتان مما كان محرما في شريعة موسى.
قوله: وجئتكم بآية من ربكم قال أي: لم أحل لكم شيئا بغير برهان، فهو حقيق عليكم اتباعي. الزجاج:
وإنما وحد الآية وكان قد أتاهم بآيات; لأنها كلها جنس واحد في الدلالة على الرسالة.
وقوله: هذا صراط مستقيم أي: طريق من طرق الدين مستو.