يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا يعني الأوس والخزرج، إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب الآية.
قال كان بين هذين الحيين من عكرمة: الأوس والخزرج قتال في الجاهلية، فلما جاء الإسلام اصطلحوا [ ص: 472 ] وألف الله بين قلوبهم، فجلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس والخزرج، فأنشد شعرا قاله أحد الحيين في حربهم، فدخلهم من ذلك شيء، فاجتمعوا وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية إلى قوله: لعلكم تهتدون ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى قام بين الصفين فقرأهن، ورفع صوته، فلما سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصتوا له، وجعلوا يستمعون، فلما فرغ ألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضا، وجثوا يبكون.
قوله: وكيف تكفرون الآية، قال أي: على أي حال يقع منكم الكفر، وآيات الله التي تدل على توحيده، ونبوة نبيه الزجاج: محمد صلى الله عليه وسلم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بين أظهركم؟ ! ومن يعتصم بالله يتمسك بحبل الله ويمتنع به، فقد هدي إلى صراط مستقيم يعني الإسلام.
قوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته قال حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. ابن مسعود:
وقال عن الكلبي، لما نزلت هذه الآية شق على المسلمين مشقة شديدة ولم يطيقوا ذلك. ابن عباس:
وحق تقاته: أن يطاع فلا يعصى طرفة عين، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى، فلم يطق ذلك العباد، فأنزل الله على نبيه عليه السلام: فاتقوا الله ما استطعتم يقول: ما أطقتم.
فلم يكلف العباد من طاعته وعبادته إلا ما استطاعوا، فنسخت هذه الآية ما قبلها.
[ ص: 473 ] وقال قتادة: حق تقاته أن يطاع فلا يعصى، ثم أنزل الله التخفيف واليسر بعد ذلك فقال: فاتقوا الله ما استطعتم .
أخبرنا أبو بكر الأصبهاني، أخبرنا أبو بكر المقرئ، حدثنا العباسي بن أحمد البرتي، حدثنا حدثنا عبد الأعلى بن حماد، عن يعقوب بن عبد الله الأشعري، ليث، عن عن مجاهد، أبي سعيد قال: قوله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أوصني، قال: عليك بتقوى الله، فإنه جماع كل خير، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية المسلمين، وعليك بذكر الله وتلاوة كتابه فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان. ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون مفسر في سورة البقرة.
قوله عز وجل: واعتصموا بحبل الله جميعا 44 قال عبد الله: حبل الله: الجماعة.
وقال الضحاك وقتادة "حبل الله": القرآن. والسدي:
وقال الاعتصام بحبل الله: هو ترك الفرقة، واتباع القرآن; لأن المؤمن إذا اتبع القرآن أمن من العذاب. أبو عبيدة:
[ ص: 474 ] وروى عن معمر، في قوله: قتادة واعتصموا بحبل الله قال: بعهد الله وبأمره.
قال سمي عهد الله حبلا لأنه سبب النجاة، كالحبل الذي يتمسك به للنجاة من بئر ونحوها. ابن الأنباري:
وقوله: ولا تفرقوا قال أي: كما كنتم في الجاهلية مقتتلين على غير دين الله. ابن عباس:
وقال أي: تناصروا على دين الله ولا تفرقوا. الزجاج:
واذكروا نعمت الله عليكم بدين الإسلام، إذ كنتم أعداء يعني ما كان بين الأوس والخزرج من الحرب التي تطاولت عشرين ومائة سنة، إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالإسلام، فزالت تلك الأحقاد، وصاروا إخوانا في الإسلام متوادين، وذلك قوله: فأصبحتم بنعمته إخوانا أي: برحمته، يعني الإسلام، إخوانا.
قوله: وكنتم على شفا حفرة من النار "شفا الشيء": حرفه، مثل: شفا البئر، والجمع: الأشفاء.
قال يريد: لو متم على ما كنتم عليه في الجاهلية لكنتم من أهل النار. ابن عباس:
فأنقذكم منها أي: خلصكم ونجاكم بدينه الإسلام ومحمد عليه السلام، يقال: أنقذته وتنقذته.
أي: خلصته، وقوله: كذلك أي: كالبيان الذي ذكر، يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون لكي تهتدوا.