الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما  ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما  ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا  الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن [ ص: 42 ] فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : نكفر عنكم سيئاتكم يعني : ما دون الكبائر ومثل النظر والكذبة واللمسة والقبلة .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه تقع مكفرة بالصلوات الخمس .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، حدثنا محمد بن عيسى بن عمرويه ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم ، حدثني هارون بن سعيد الأبلي ، حدثنا ابن وهب ، عن أبي صخر ، أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " .  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو منصور البغدادي ، أخبرنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي العبدي ، حدثنا عبد الله بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا جعفر بن سليمان ، سمعت مالك بن دينار يقول : سمعت أنس بن مالك يقول :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 43 ] سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تحدثوا بهذا الحديث شابا حدثا ، ولا شيخا مارقا ، ألا إن الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي " قال : ثم تلا هذه الآية إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما  وقرئ مدخلا بفتح الميم على تقدير : وندخلكم فتدخلون مدخلا ، ومن قرأ بضم الميم جاز أن يكون مصدرا ، وجاز أن يكون مكانا ، والأولى أن يكون مكانا لأن المفسرين قالوا في قوله مدخلا كريما : هو الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ولا تتمنوا ما فضل الله به الآية ، قال مجاهد : قالت أم سلمة : يغزو الرجال ولا نغزو ، وإنما لنا نصف الميراث ، فليتنا كنا رجالا ، فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال ، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه الآية نهي أن يتمنى أحد مال غيره ، فإن ذلك هو الحسد ، وقد جاء في الحديث : " لا يتمنين أحدكم مال أخيه ، ولكن ليقل : اللهم ارزقني ، اللهم أعطني مثله" .  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : للرجال نصيب مما اكتسبوا أي : من الجهاد ، وللنساء نصيب مما اكتسبن حفظ فروجهن ، [ ص: 44 ] وطاعة أزواجهن ، أي : لكل واحد من الفريقين حظ من الثواب ، واسألوا الله من فضله أي : إن احتجتم إلى مال غيركم ، وأعجبكم أن يكون لكم مثل ماله ، فسلوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو سعد النضروي ، أخبرنا إسماعيل بن نجيد ، أخبرنا محمد بن عبدوس بن كامل ، أخبرنا محمد بن عبد الله الرازي ، حدثنا حماد بن واقد ، قال : سمعت إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق الهمذاني ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سلوا الله من فضله ، فإنه يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج "  قوله عز وجل : (ولكل ) أي : ولكل واحد من الرجال والنساء ، جعلنا موالي : قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن زيد : عصبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي : ورثة . مما ترك الوالدان والأقربون أي : يرثون ، أو يعطون ما ترك والداه وأقربوه من ميراثهم له ، والذين عاقدت أيمانكم يعني : الحلفاء في قول جميع المفسرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وكان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل ، ويقول له : دمي دمك ، وناري نارك ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، فلما قام الإسلام جعل للحليف السدس ، وهو قوله : فآتوهم نصيبهم ثم نسخ ذلك بقوله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 45 ] وقرئ عقدت وكلا القراءتين معناهما واحد ، أي : أحكمت أيمانكم ، والأيمان : يحتمل أن يكون جمع يمين من : اليد ، ويحتمل أن يكون من : القسم ، وذلك أنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم ، ويأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ، ويتحالفون عليه أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن الله كان على كل شيء شهيدا قال عطاء : يريد لم يغب عنه علم ما خلق وبرأ .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله جل جلاله : الرجال قوامون على النساء الآية ، قال المفسرون : لطم رجل امرأته ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب القصاص ، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله : قوامون على النساء مسلطون على تأديبهن ، والأخذ فوق أيديهن ، فعلى المرأة أن تطيع زوجها في طاعة الله .

                                                                                                                                                                                                                                      والقوام : المبالغ في القيام ، يقال : هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويحفظها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال المفسرون : وليس بين المرأة وزوجها قصاص إلا في النفس والجروح ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوجب القصاص في اللطم ، فلما نزلت هذه الآية قال : "أردنا أمرا ، وأراد الله أمرا ، والذي أراد الله خير "   .

                                                                                                                                                                                                                                      ورفع القصاص .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : بما فضل الله بعضهم على بعض يعني : بما فضل الله الرجال على النساء بالعقل والجسم والعلم والعزم والجهاد والشهادة والميراث .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية