الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 75 ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما  ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا  وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما  ولهديناهم صراطا مستقيما  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : فلا أي : ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ، ثم استأنف القسم فقال : وربك لا يؤمنون .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول عطاء ، ومجاهد ، والشعبي : إن الآية نازلة في قصة اليهودي والمنافق ، وهي متصلة بما قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخرون : هذه مستأنفة نازلة في قصة أخرى وهي ما .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان العدل ، أخبرنا أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني عروة بن الزبير ، عن أبيه ، أنه كان يحدث أنه خاصم رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة ، كانا يسقيان بهما كلأهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اسق ثم أرسل إلى جارك ، فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله أن كان ابن عمتك ، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير حقه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري فلما أحفظ الأنصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزبير حقه في صريح الحكم قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك  الآية رواه البخاري ، عن علي بن عبد الله ، عن محمد بن جعفر ، عن معمر ، ورواه مسلم ، عن قتيبة ، عن الليث ، كلاهما عن الزهري وقوله : فيما شجر بينهم أي : اختلف واختلط ، يقال : شجر يشجر شجورا وشجرا ومشاجرة في الأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      إذا [ ص: 76 ] نازعه مشاجرة ، وتشاجروا وتشاجرا ، واشتجروا ، ولك ذلك لتداخل كلام بعضهم في بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت قال ابن عباس : يعني ضيقا مما قضيت ، يعني : يرضون بقضائك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : لا تضيق صدورهم بقضيتك .

                                                                                                                                                                                                                                      ويسلموا تسليما : لما يأتي من حكمك ، لا يعارضون بشيء ، أي : يبذلون الرضا لحكمك ويتركون السخط والمنازعة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ولو أنا كتبنا عليهم أي : فرضنا وأوجبنا ، قال المفسرون : كتب الله تعالى على بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم ، وكتب على المهاجرين أن يخرجوا من ديارهم ، فقال الله تعالى : (ولو أنا كتبنا ) على هؤلاء ما كتبنا على غيرهم ، وهو قوله أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم كسرهما عاصم وحمزة ، لالتقاء الساكنين ، ومن ضمهما : فلأنهما حلا محل الهمزة المضمومة ، فضمتا كما ضمت هي ، وإن كانتا منفصلتين .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : وللكسرة والضمة في هذه الحروف وجهان جيدان ، ولست أعرف لفصل أبي عمرو بين هذين الحرفين خاصية ، إلا أن يكون رواية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ما فعلوه إلا قليل منهم قال الحسن : أخبر عن علمه فيهم ، يعني ما يفعل ذلك إلا من قد علم الله منه ذلك ، وهم قليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وارتفع قليل على البدل من الواو في فعلوه كقولك : ما أتاني أحد إلا زيد ترفع زيدا على البدل من أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب إلا قليلا فإنه جعل النفي بمنزلة الإيجاب ، وذلك أن قولك : ما جاءني أحد كلام تام ، كما أن :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 77 ] جاءني القوم .

                                                                                                                                                                                                                                      كذلك ، فنصب مع النفي كما نصب مع الإيجاب ، من حيث اجتماعهما في أن كل واحد منهما كلام تام .

                                                                                                                                                                                                                                      ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به أي : ما يؤمرون به ، لكان خيرا لهم في دينهم وفي الآخرة ، وأشد تثبيتا : تصديقا بأمر الله ، أي : ذلك أشد تثبيتا منهم لأنفسهم في الدين .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا لآتيناهم أي : لو فعلوا ما وعظوا به لآتيناهم ، من لدنا مما لا يقدر عليه غيرنا ، أجرا عظيما وهو الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      ولهديناهم صراطا مستقيما قال ابن عباس : أرشدناهم إلى دين مستقيم ، يريد : دين الحنيفية ، لا دين اليهودية .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية