يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين [ ص: 79 ] يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا
قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم هذه الآية حث من الله على الجهاد ، والحذر بمعنى الحذر كالمثل ، وتقول العرب : خذ حذرك أي : احذر .
والمعنى : احذروا عدوكم بأخذ العدة والسلاح .
وقوله : فانفروا ثبات يقال : نفر القوم ينفرون نفرا ، إذا نهضوا لقتال عدو وخرجوا لحرب .
والثبات جماعات متفرقة واحدها ثبة ، قال : الثبات : الفرق . قتادة
وقال عصبا متفرقين . مقاتل :
أو انفروا جميعا خيرهم الله تعالى بين أن يقاتلوا جميعا وبين أن يقاتل بعضهم دون بعض ، فدل على أن الجهاد ليس من فروض الأعيان .
قوله عز وجل : وإن منكم لمن ليبطئن يعني : عبد الله بن أبي ، كان يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لغزو ، والخطاب للمؤمنين وجعله منهم من حيث الظاهر ، وهو حقن الدم والموارثة ، والتبطئة : التأخر عن الأمر ، تقول العرب : ما بطأ بك عنا .
أي : ما أخرك ، يقال : بطؤ بطأ ، وأبطأ إبطاء ، وبطأ تبطئة بمعنى واحد .
قال ليبطئن أي : ليتخلفن عن الجهاد . مقاتل :
وقال الكلبي : ليتثاقلن .
فإن أصابتكم مصيبة من القتل وجهد من العيش ، قال قد أنعم الله علي بالقعود ، إذ لم أكن معهم شهيدا أي : لم أحضر معهم فيصيبني ما أصابهم من البلاء والشدة .
[ ص: 80 ] ولئن أصابكم فضل من الله فتح ونصر وغنيمة ، ليقولن : هذا المنافق قول نادم حاسد : يا ليتني كنت معهم لأسعد بمثل ما سعدوا به من الغنيمة .
وقوله : كأن لم تكن بينكم وبينه مودة متصل في النظم بقوله : قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم كأن لم تكن بينكم وبينه مودة .
قال كأن لم يعاقدكم على الإسلام ، ولم يبايعكم على الصبر والثبات فيه على ما ساء وسر . ابن الأنباري :
وقرئ : تكن بالياء والتاء ، فالتأنيث على الأصل ، والتذكير يحسن إذا كان التأنيث غير حقيقي سيما إذا وقع فاصل بين الفعل والفاعل .
وقوله : فأفوز فوزا عظيما قال آخذ نصيبا وافرا ، وإنما قال هذا حرصا على الدنيا ، وميلا إليها ولا رغبة في الثواب . مقاتل :
ولما ذم الله تعالى المنافق بالاحتباس عن الجهاد ، أمر المؤمنين بالقتال فقال سبحانه : فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة أي : يبيعون ، يقال : شريت .
بمعنى : بعت .
والمعنى : أنهم يختارون الجنة على البقاء في الدنيا ، فيجاهدون طلبا للشهادة في سبيل الله ، ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل شهيدا أو يغلب فينظر ويقتل هو ، فكلاهما سواء في الثواب ، وهو قوله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ، قال : ثوابا لا صفة له . ابن عباس
قوله جل جلاله : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله قال المفسرون : هذا حض من الله تعالى على الجهاد في سبيله لاستنقاذ المؤمنين من أيدي المشركين .
والمعنى : لا عذر لكم في ترك القتال في سبيل الله ، وفي المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، [ ص: 81 ] قال : يريد قوما ابن عباس بمكة قد استضعفوا ، فحبسوا وعذبوا .
قال : وكنت أنا وأمي من المستضعفين .
ولم يكن لهم قوة يمتنعون بها من المشركين ، ولم يقدروا أن يهاجروا إلى المدينة فكانوا يدعون الله ويقولون : ربنا أخرجنا : إلى المدينة دار الهجرة ، من هذه القرية يعني مكة ، الظالم أهلها يريد : جعلوا لله شركاء .
قال : الظالم أهلها : نعت للقرية . الزجاج
وإنما وحد الظالم لأنه صفة يقع موضع الفعل ، يقال : مررت بالقرية الصالح أهلها .
أي : التي صلح أهلها ، واجعل لنا من لدنك وليا ول علينا رجلا من المؤمنين يوالينا ويقوم بأمورنا ، واجعل لنا من لدنك نصيرا ينصرنا على عدونا ويمنعنا منهم .
فاستجاب الله دعاءهم ، وولى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما فتحت مكة ، فكان ينصف المظلوم من الظالم ، والضعيف من الشديد . عتاب بن أسيد
قوله عز وجل : الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله في نصرة دين الله ، وهو سبيله الذي يؤدي إلى ثوابه ورحمته ، والذين كفروا : يعني : المشركين واليهود والنصارى ، يقاتلون في سبيل الطاغوت في طاعة الشيطان ، فقاتلوا أولياء الشيطان قال : يعني : عبدة الأصنام ابن عباس إن كيد الشيطان سعيه في إيقاع الضرر بالمؤمنين على جهة الاحتيال ، كان ضعيفا يعني : خذلانه إياهم يوم قتلوا ببدر .