قوله عز وجل : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق الآية : قال قتادة : لما أخبر الله تعالى بصنيع أهل الكتاب قبلكم وبحكمهم بغير ما أنزل الله ، وعظ نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بموعظة بليغة ، فقال : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق قال مقاتل : يعني : القرآن لم ينزل عبثا .
مصدقا لما بين يديه من الكتاب قال ابن عباس : يريد : كل كتاب أنزله الله تعالى على الأنبياء .
ومهيمنا عليه : قال الوالبي ، والسدي ، وقتادة ، والحسن : أمينا وشاهدا على الكتب التي خلت قبله ، فما أخبر [ ص: 195 ] أهل الكتاب بأمر ، فإن كان في القرآن فصدقوا ، وإلا فكذبوا .
وقال جماعة من أهل اللغة : المهيمن : الرقيب الحافظ ، يقال : هيمن الرجل يهيمن هيمنة إذا كان رقيبا على الشيء ، وهو قول الخليل ، وأبي عبيدة ، قال أبو عبيدة : المهيمن : الشاهد المصدق ، واحتج بقول حسان :
إن الكتاب مهيمن لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب
وقوله : فاحكم بينهم بما أنزل الله يعني : بين اليهود بالقرآن ، والرجم على الزانيين ، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق يقول : لا تتبعهم عما عندك من الحق فتتركه وتتبعهم ، كما تقول : لا تتبع زيدا عن رأيك ، أي : لا تترك رأيك وتتبعه .وقوله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا الشرعة والشريعة واحدة ، وهي ما شرع الله للعباد من الصلاة والصوم والنكاح والحج وغيره ، معناها في اللغة : الطريقة ، لشروع الناس فيها .
والمنهاج الطريق الواضح ، يقال : نهج الأمر .
وأنهج .
لغتان ، إذا وضح ، قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد : شرعة ومنهاجا : سبيلا وسنة .
قال قتادة : الخطاب للأمم الثلاث : أمة موسى ، وأمة عيسى ، وأمة محمد صلوات الله عليهم أجمعين : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة ، والدين واحد لا يقبل الله إلا الإخلاص .
وقوله : ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة على أمر واحد ، ملة الإسلام ، ولكن ليبلوكم أي : ليختبركم في ما آتاكم أعطاكم من الكتاب والسنن ، فاستبقوا الخيرات : سارعوا في الأعمال الصالحات ، إلى الله مرجعكم جميعا أنتم وأهل الكتاب فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الفرائض والدية والسنن .
وقوله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، قد ذكرنا أن هذا ناسخ للتخيير في قوله : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم .
ومعنى بما أنزل الله بحدود الله وما أنزل في كتابه .
ولا تتبع أهواءهم قال مقاتل : إن رؤساء اليهود [ ص: 196 ] قال بعضهم لبعض : انطلق بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه ، فإنما هو بشر .
فأتوه ، وقالوا له : قد علمت أنا إن اتبعناك لاتبعك الناس ، وإن لنا خصومة ، فاقض لنا على خصومنا إذا تحاكمنا إليك ونحن نؤمن بك ونصدقك ، فأنزل الله تعالى : ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك قال ابن عباس : يردوك إلى أهوائهم .
قال أبو عبيدة : كل من صرف عن الحق إلى الباطل ، وأميل عن القصد فقد فتن .
وقوله : فإن تولوا : فإن أعرضوا عن الإيمان والقرآن فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم إن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا بالقتل والجلاء والجزية ، ببعض ذنوبهم ، ويجازيهم بالباقي في الآخرة ، وإن كثيرا من الناس لفاسقون يعني : اليهود .
قوله جل جلاله : أفحكم الجاهلية يبغون قال المفسرون : معناه : أتطلب اليهود في حكم الزانيين حكما لم يأمر الله تعالى به ، وهم أهل الكتاب كما يفعل أهل الجاهلية .
وقرأ ابن عامر : تبغون بالتاء : على معنى : قل لهم يا محمد : أفحكم الجاهلية تبغون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون قال الزجاج : أي : من أيقن تبين عدل الله في حكمه .


