الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون  وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون  أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق الآية : قال قتادة : لما أخبر الله تعالى بصنيع أهل الكتاب قبلكم وبحكمهم بغير ما أنزل الله ، وعظ نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بموعظة بليغة ، فقال : وأنزلنا إليك الكتاب بالحق قال مقاتل : يعني : القرآن لم ينزل عبثا .

                                                                                                                                                                                                                                      مصدقا لما بين يديه من الكتاب قال ابن عباس : يريد : كل كتاب أنزله الله تعالى على الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                                      ومهيمنا عليه : قال الوالبي ، والسدي ، وقتادة ، والحسن : أمينا وشاهدا على الكتب التي خلت قبله ، فما أخبر [ ص: 195 ] أهل الكتاب بأمر ، فإن كان في القرآن فصدقوا ، وإلا فكذبوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال جماعة من أهل اللغة : المهيمن : الرقيب الحافظ ، يقال : هيمن الرجل يهيمن هيمنة إذا كان رقيبا على الشيء ، وهو قول الخليل ، وأبي عبيدة ، قال أبو عبيدة : المهيمن : الشاهد المصدق ، واحتج بقول حسان :


                                                                                                                                                                                                                                      إن الكتاب مهيمن لنبينا والحق يعرفه ذوو الألباب

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فاحكم بينهم بما أنزل الله يعني : بين اليهود بالقرآن ، والرجم على الزانيين ، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق يقول : لا تتبعهم عما عندك من الحق فتتركه وتتبعهم ، كما تقول : لا تتبع زيدا عن رأيك ، أي : لا تترك رأيك وتتبعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا الشرعة والشريعة واحدة ، وهي ما شرع الله للعباد من الصلاة والصوم والنكاح والحج وغيره ، معناها في اللغة : الطريقة ، لشروع الناس فيها .

                                                                                                                                                                                                                                      والمنهاج الطريق الواضح ، يقال : نهج الأمر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنهج .

                                                                                                                                                                                                                                      لغتان ، إذا وضح ، قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد : شرعة ومنهاجا : سبيلا وسنة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة : الخطاب للأمم الثلاث : أمة موسى ، وأمة عيسى ، وأمة محمد صلوات الله عليهم أجمعين : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة ، والدين واحد لا يقبل الله إلا الإخلاص .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة على أمر واحد ، ملة الإسلام ، ولكن ليبلوكم أي : ليختبركم في ما آتاكم أعطاكم من الكتاب والسنن ، فاستبقوا الخيرات : سارعوا في الأعمال الصالحات ، إلى الله مرجعكم جميعا أنتم وأهل الكتاب فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون من الفرائض والدية والسنن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، قد ذكرنا أن هذا ناسخ للتخيير في قوله : فاحكم بينهم أو أعرض عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى بما أنزل الله بحدود الله وما أنزل في كتابه .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تتبع أهواءهم قال مقاتل : إن رؤساء اليهود [ ص: 196 ] قال بعضهم لبعض : انطلق بنا إلى محمد لعلنا نفتنه ونرده عما هو عليه ، فإنما هو بشر .

                                                                                                                                                                                                                                      فأتوه ، وقالوا له : قد علمت أنا إن اتبعناك لاتبعك الناس ، وإن لنا خصومة ، فاقض لنا على خصومنا إذا تحاكمنا إليك ونحن نؤمن بك ونصدقك ، فأنزل الله تعالى : ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك
                                                                                                                                                                                                                                       
                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : يردوك إلى أهوائهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو عبيدة : كل من صرف عن الحق إلى الباطل ، وأميل عن القصد فقد فتن .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : فإن تولوا : فإن أعرضوا عن الإيمان والقرآن فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم إن إعراضهم من أجل أن الله يريد أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا بالقتل والجلاء والجزية ، ببعض ذنوبهم ، ويجازيهم بالباقي في الآخرة ، وإن كثيرا من الناس لفاسقون يعني : اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله جل جلاله : أفحكم الجاهلية يبغون قال المفسرون : معناه : أتطلب اليهود في حكم الزانيين حكما لم يأمر الله تعالى به ، وهم أهل الكتاب كما يفعل أهل الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عامر : تبغون بالتاء : على معنى : قل لهم يا محمد : أفحكم الجاهلية تبغون ؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون قال الزجاج : أي : من أيقن تبين عدل الله في حكمه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية