الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين  فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين  ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء قال عطية : جاء عبادة بن الصامت ، فقال : يا رسول الله إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم ، وإني أبرأ إلى الله تعالى ورسوله من ولاية اليهود ، وآوي إلى الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                      فقال عبد الله بن أبي : لكن أخاف الدوائر ولا أبرأ من ولاية اليهود ، فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية والتي بعدها .
                                                                                                                                                                                                                                       


                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 197 ] ومعنى لا تتخذوهم أولياء : لا تعتمدوا على الاستنصار بهم ، ولا توالوهم .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي فيما أجاز لي ، أخبرني محمد بن الحسين الحدادي ، أخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا وكيع ، أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عياض الأشعري ، عن أبي موسى ، أنه وفد إلى عمر بن الخطاب ، فقال : إن عندنا نصرانيا كاتبا من حاله وحاله ، فقال : قاتلك الله ، أما سمعت قول الله تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ألا اتخذت حنيفا ؟ قال : قلت : دينه له ، ولي كتابته ، قال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أزلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله ، ثم أوعد على موالاتهم فقال : ومن يتولهم منكم فإنه منهم   " .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : كافر مثلهم ، وقال الزجاج : من عاضدهم على المسلمين فإنه معهم .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله لا يهدي القوم الظالمين قال ابن عباس : لا يرشد الكافرين ولا المشركين ولا المنافقين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله جل جلاله : فترى الذين في قلوبهم مرض يعني : عبد الله بن أبي وأصحابه من المنافقين يسارعون فيهم : قال الكلبي ، ومجاهد : يسارعون في موالاة اليهود ومصانعتهم ، وقال الزجاج : في معاونتهم على المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة نخشى أن يدور الدهر علينا بمكروه من جدب أو قحط ولا يعطوننا الميرة والقرض .

                                                                                                                                                                                                                                      فعسى الله أن يأتي بالفتح يعني : فتح مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      في قول الكلبي ، والسدي ، وقال الضحاك : فتح قرى اليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة ، ومقاتل : بالقضاء الفصل من نصر محمد على من خالفه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 198 ] أو أمر من عنده أي : خصب وسعة لمحمد وأصحابه ، وقال مقاتل : يعني : القتل والجلاء لليهود .

                                                                                                                                                                                                                                      فيصبحوا يعني : المنافقين على ما أسروا في أنفسهم من موالاة اليهود ودس الأخبار لهم نادمين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ويقول الذين آمنوا ، وقرأ أبو عمرو ويقول الذين نصبا على معنى : وعسى أن يقول الذين آمنوا ، وقرأ أهل الحجاز يقول بغير واو استغناء عن حرف العطف لملابسة هذه الآية بما قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : ويقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله نفاق المنافقين : أهؤلاء يعني : المنافقين ، الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم حلفوا بالله بأغلظ الأيمان إنهم مؤمنون ، إنهم لمعكم أي : إن المؤمنين حينئذ يتعجبون من كفرهم وحلفهم بالباطل ، قال الله تعالى : (حبطت أعمالهم ) : بطل كل خير عملوه بكفرهم وغشهم المسلمين ، فأصبحوا خاسرين خسروا الدنيا بافتضاحهم ، والآخرة بفوت الثواب والمصير إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية