واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم
قوله تعالى: واسألهم ) يعني: أسباط اليهود، سؤال تقرير وتوبيخ، يقررهم النبي صلى الله عليه وسلم قديم كفرهم ومخالفة أسلافهم الأنبياء في ارتكاب المعاصي، ويخبرهم بما لا يعلم إلا بوحي، وتلك القرية هي أيلة.
في قول برواية ابن عباس وقوله: [ ص: 420 ] الوالبي، التي كانت حاضرة البحر أي: التي هي مجاورة البحر وبقربه وعلى شاطئه، إذ يعدون في السبت أي: يظلمون فيه بصيد السمك، قال يصيدون الحيتان ويفعلون ما نهوا عنه. ابن عباس:
إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ظاهرة على الماء جمع شارع وشارعة.
قال المفسرون: إن اليهود أمروا بتعظيم السبت وحرم عليهم فيه الصيد، فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها، فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر إلى السبت المقبل، بلاء ابتلوا به، فذلك قوله: ويوم لا يسبتون لا تأتيهم أي: يوم لا يفعلون سبتهم لا تأتيهم الحيتان، وانقطع الكلام، ثم قال: كذلك نبلوهم أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم، ويجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله: كذلك والمعنى: لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الإتيان الذي يأتي يوم السبت، ثم استأنف فقال: نبلوهم بما كانوا يفسقون أي: نشدد عليهم المحنة بفسقهم وعصيانهم الله تعالى، والوجهان ذكرهما الزجاج، وابن الأنباري.
قوله تعالى: وإذ قالت أمة منهم قال أهل التفسير: افترق أهل القرية ثلاث فرق فرقة صادت وأكلت، وفرقة نهت وزجرت، وفرقة أمسكت عن الصيد، وقالت للفرقة الأولى الناهية: لم تعظون قوما الله مهلكهم لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين، فقالت الفرقة الناهية: معذرة إلى ربكم أي: موعظتنا إياهم معذرة، والمعنى: أن الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء عذرا إلى الله تعالى، ومن نصب معذرة فعلى معنى نعتذر معذرة.
وقوله: ولعلهم يتقون أي: وجائز عندنا أن ينتفعوا بالموعظة فيتقوا الله ويتركوا المعصية.
قوله: فلما نسوا ما ذكروا به قال ابن عباس: تركوا ما وعظوا به، أنجينا الذين ينهون عن السوء يعني: الفرقة الناهية، وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس قال المفسرون: بشديد من العذاب، يقال: بؤس يبؤس بؤسا.
إذا اشتد، فهو بئيس.
وقرأ نافع: بيس جعل بئس الذي [ ص: 421 ] هو فعل اسما فوصف به ومثله ما روي: أن الله تعالى ينهى عن قيل وقال.
وقراءة ابن عامر كقراءة نافع إلا أنه حقق الهمزة، وقراءة أبي بكر بيئس مثل: ضيغم، وحيدر، وهو كثير في الصفة، ثم فسر ذلك العذاب الشديد فقال: فلما عتوا عن ما نهوا عنه المعنى: عتوا عن ترك ما نهوا عنه واستكبروا عن تركه، قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وهذا مفسر في سورة البقرة.
وروى عن ابن جريج، قال: دخلت على عكرمة، وهو يقرأ في المصحف ويبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: هل تعرف ابن عباس أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: قرية كان بها ناس من اليهود حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت، وكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا، تأتي واردة إلى الماء بيضاء سمانا كأمثال المخاض بأفنيتهم وأبنيتهم، فإذا كان في غير يوم السبت لم يدركوها ولم يجدوها إلا بمشقة، ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا يوم السبت فربطه إلى رد في الساحل، وتركه في الماء حتى إذا كان الغد أخذه فأكله، ففعل ذلك أهل بيت منهم حتى فشا ذلك فيهم وكثر، فافترقوا عند ذلك ثلاث فرق، وقالت الفرقة الناهية للفرقة الظالمة: والله لا نبايتكم في مكان.
وفارقوهم فغدوا عليهم يوما وضربوا باب السور، فلم يجبهم أحد، فتسور عليهم واحد فقال: يا عباد الله قد صاروا قردة، والله، لها أذناب تتعاوى، ثم فتح الباب ودخل الناس عليهم فعرفت القرود أنسابها من الإنس، فيأتي القرد إلى نسيبه من الإنس فيحتك به ويقول الإنسان: أنت فلان؟ فيشير برأسه أي: نعم.
ويبكي، فيقول لهم الإنس: أما إنا حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسف أو مسخ.
قال فاسمع الله يقول: ابن عباس: أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة.
فقال فقلت له: جعلني الله فداك ألا تراهم قد أنكروا حيث قالوا: عكرمة: لم تعظون قوما الله مهلكهم ، وإن لم يقل الله: أنجيتهم لم يقل أيضا أهلكتهم.
فأعجبه قولي فرضي وأمر لي ببردين فكسانيهما.
وهذا أيضا قول قال: نجت فرقتان وهلكت فرقة، وقال الحسن ابن زيد: نجت الناهية وهلكت الفرقتان، وهذه الآية أشد آية في ترك النهي عن المنكر، قوله: وإذ تأذن ربك تأذن بمعنى: أذن أي: أعلم وقال ربك، ليبعثن عليهم على اليهود، إلى يوم [ ص: 422 ] القيامة من يسومهم سوء العذاب قال المفسرون: هم العرب محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، بعثهم الله على اليهود إلى يوم القيامة يقاتلونهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، إن ربك لسريع العقاب لمن استحق تعجيله لأنه لا يتأخر عن وقت إرادته.