قوله: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة أي: في أمكنة ومقامات، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويوم حنين أي: وفي يوم حنين، وهو واد بين مكة والطائف، قاتل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم هوازن، وثقيفا بعد فتح مكة، إذ أعجبتكم كثرتكم قال قتادة: كانوا اثني عشر ألفا.
وقال كانوا أحد عشر ألفا وخمس مائة، وقال مقاتل: كانوا عشرة آلاف. الكلبي:
وقال عن عطاء، ابن عباس: مكة إلى حنين في ستة عشر ألفا وكان معه رجل من الأنصار يقال له: سلمة بن سلامة بن وقش، فعجب لكثرة الناس فقال: لن نغلب اليوم من قلة.
فساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه، ووكلوا إلى كلمة الرجل.
فذلك قوله: إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تنفعكم كثرتكم ولم تدفع عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت أي: برحبها وسعتها ضاقت عليكم، فلم تجدوا فيها موضعا يصلح لفراركم، وهو قوله: ثم وليتم مدبرين قال أعلم الله أنهم ليس بكثرتهم يغلبون، إنما يغلبون بنصر الله إياهم، ووكلوا ذلك اليوم إلى كثرتهم فانهزموا، ثم تداركهم الله بنصره حتى ظفروا، وذلك قوله: الزجاج: ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين يعني: الأمنة والطمأنينة.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المزكي، أنا محمد بن جعفر بن مطر، أنا الفضل بن الحباب، نا محمد بن كثير، نا سفيان، عن أبي إسحاق، قال: يقول: وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة وليتم يوم حنين؟ قال: أما أنا فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يول، ولكن عجل سرعان الناس فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحارث آخذ برأس بغلته البيضاء وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب البراء بن عازب، سمعت [ ص: 488 ] رواه عن البخاري، محمد بن كثير قال أنزل الله عليهم السكينة، حتى عادوا وظفروا وأراهم في ذلك اليوم من آياته ما زادهم يقينا في الدين، وهو قوله: الزجاج: وأنزل جنودا لم تروها قال يعني: الملائكة. ابن عباس:
وقال أمد الله نبيه عليه السلام بخمسة آلاف من الملائكة. سعيد بن جبير:
وقال حدثني رجل كان في المشركين يوم سعيد بن المسيب: حنين قال: لما كشفنا المسلمين جعلنا نسوقهم حتى إذا انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء، فتلقانا رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا: شاهت الوجوه ارجعوا.
فرجعنا، وركبوا أكتافنا.
وذلك قوله: وعذب الذين كفروا بالقتل والأسر وسبي الأولاد، وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء من عباده فيهديهم إلى الإسلام ولا يؤاخذه بما سلف منه، والله غفور رحيم بمن آمن،