والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم
وقوله: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا قال المفسرون: هؤلاء كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين بنوا مسجدا يضارون به مسجد قباء ، منهم: وديعة بن ثابت، وخزام بن خالد، وجارية بن عامر، ونبتل بن الحارث، وزيد بن جارية، وعثمان بن حنيف، وجارية بن عامر مجمع بن جارية، وبجاد بن عثمان، والضرار: محاولة الضر، قال وانتصب ضرارا لأنه مفعول له، والمعنى: اتخذوه للضرار. الزجاج:
قال ضرارا للمؤمنين، وكفرا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به. ابن عباس:
وذلك أنهم اتخذوا ذلك المسجد ليكفروا فيه بالطعن على النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام، وتفريقا بين المؤمنين يفرقون به جماعتهم لأنهم كانوا يصلون جميعا في مسجد قباء ، فبنوا ليصلي فيه بعضهم، فيؤدي ذلك إلى الافتراق واختلاف الكلمة، وقوله: مسجد الضرار وإرصادا لمن حارب الله ورسوله يعني: أبا عامر الراهب، وكان قد خرج إلى الشام ليأتي بجند من عند قيصر ليحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل إلى المنافقين أن ابنوا لي مسجدا، فبنوا هذا المسجد وانتظروا مجيء أبي عامر ليصلي بهم في ذلك المسجد، قال والإرصاد: الانتظار. الزجاج:
وقوله: من قبل يعني: من قبل بناء مسجد الضرار، وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى يحلف المنافقون ما أردنا ببنيانه إلا الفعلة الحسنى وهي الرفق بالمسلمين، والتوسعة على أهل الضعف والعلة والعجز عن السير إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا: إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية.
والله يشهد إنهم لكاذبون فيما قالوا وحلفوا، ولما فرغوا من بناء المسجد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحب أن تأتينا وتصلي لنا فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه ليأتيهم، فأنزل الله تعالى: لا تقم فيه أبدا قال لا تصل فيه أبدا. ابن عباس:
ثم بين أي المسجدين أحق بالقيام فيه، فقال: لمسجد أسس على التقوى بني على الطاعة وبناه المتقون، أحق أن تقوم فيه وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في قول ابن عمر، وزيد بن ثابت، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال وأبي سعيد الخدري، في رواية ابن عباس هو الوالبي: مسجد قباء، وهو قول وسعيد بن [ ص: 525 ] المسيب، وقوله: قتادة، فيه رجال يعني من الأنصار، يحبون أن يتطهروا قال جميع المفسرين: يعني: غسل الأدبار بالماء.
أخبرنا أبو منصور المنصوري، أنا أنا علي بن عمر الحافظ، أحمد بن محمد بن أبي شيبة، نا محمد بن مسعدة، نا أخبرني محمد بن شعيب، عتبة ابن أبي حكيم، عن أنه حدثه قال: حدثني طلحة بن نافع أبو أيوب، وجابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأنس بن مالك، فيه رجال يحبون أن يتطهروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور، فما طهوركم هذا؟ قالوا: يا رسول الله نتوضأ ونغتسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل مع ذلك غيره؟ قالوا: لا غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء، وقال: هو ذاك فعليكموه". لما نزلت هذه الآية
قوله: والله يحب المطهرين أي: من الشرك والأنجاس والأقذار والنفاق، وقوله: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان البنيان: مصدر يراد به المبنى هاهنا، والتأسيس إحكام أسس البناء وهو أصله، وقرأ نافع: أسس بضم الألف بنيانه رفعا، وهذا في المعنى الأول لأنه إذا أسس بنيانه، فتولى ذلك غيره بأمره كان كبنائه، والمعنى: المؤسس بنيانه متقيا يخاف الله ويرجو ثوابه ورضوانه خير؟ أم المؤسس بنيانه غير متق؟ وهو قوله: أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار وشفا الشيء حرفه، والجرف ما يجرفه السيل من الأودية، وهو جانبها الذي ينحفر بالماء أصله فيبقى واهيا، وهار مقلوب من هاير، يقال: هار الجرف يهور.
إذا انشق من خلفه وهو ثابت بعد في مكانه فهو هاير، ثم يقلب فيقال: هار، قال المعنى: أن من أسس بنيانه على التقوى خير ممن أسس بنيانه على الكفر. الزجاج:
يعني: أن بناء هذا المسجد الذي بني ضرارا كبناء على حرف جهنم يتهور بأهله فيها، وهو قوله: فانهار به أي: بالباني في نار جهنم قال يريد: صيرهم النفاق إلى النار. ابن عباس:
وقوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم قال يقول: لا يزالون في شك منه إلى الموت. الضحاك:
والمعنى: أنهم لا يزالون شاكين مترددين في الحيرة يحسبون أنهم كانوا في بنائه محسنين إلى الممات، وهو قوله: إلا أن تقطع قلوبهم أي: حتى تقطع [ ص: 526 ] وتفتت قلوبهم بالموت، وقرأ تقطع بفتح التاء بمعنى تتقطع، وهذا يدل على أنهم يموتون على النفاق، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوه من الإيمان وأخذوا به من الكفر. حمزة: