قوله تعالى: ما كان للنبي والذين آمنوا الآية:
-أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي، أنا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه، أنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي، نا أخبرني أبو اليمان، شعيب، عن عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أبيه، قال: أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: " أي عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى [ ص: 528 ] قال آخر شيء كلمهم به: أنا على ملة عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن عنك ما لم أنه عنك، فنزلت: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم لما حضر .
رواه عن البخاري، إسحاق بن إبراهيم، عن ورواه عبد الرزاق، عن مسلم، حرملة، عن ابن وهب، عن يونس كلاهما، عن الزهري.
أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد الصيدلاني، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم الحافظ، نا نا محمد بن يعقوب، نا بحر بن نصر، ابن وهب، نا عن ابن جريج، عن أيوب بن هانئ، عن مسروق بن الأجدع، قال: ابن مسعود، فقال: يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ فقد أبكانا وأفزعنا فجاء فجلس إلينا فقال: " أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم يا رسول الله، فقال: إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي، وإني استأذنت ربي في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه ونزل علي عمر بن الخطاب، ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين حتى ختم الآية والتي بعدها فأخذني ما أخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني". خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه، فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلا، ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا، فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه
بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم من بعد ما بان لهم أنهم ماتوا كافرين، ثم أعلم الله تعالى كيف كان استغفار ومعنى قوله: إبراهيم لأبيه فقال: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه قال عن عطاء كان أبو إبراهيم وعد ابن عباس: إبراهيم أن يؤمن بالله، ويخلع الأنداد، فلما مات على الكفر تبين لإبراهيم عداوة أبيه لله فترك الدعاء له.
وعلى هذا القول الكناية في إياه تعود إلى إبراهيم، والواعد أبوه، ويجوز أن يعود إلى أب إبراهيم، ويكون الواعد إبراهيم، وذلك أنه وعد أباه أن يستغفر له رجاء إسلامه، وأن ينقل الله أباه باستغفاره له من الكفر إلى الإسلام، فلما مات مشركا، ويئس من مراجعته الحق، تبرأ منه وقطع الاستغفار له، والدليل على صحة هذا قراءة الحسن: وعدها أباه بالباء وهذا الوعد من إبراهيم ظاهر في قوله تعالى: سأستغفر لك ربي ، وقوله: إن إبراهيم لأواه قال الأواه: الدعاء الكثير الدعاء والبكاء. ابن عباس:
قال هو الذي يتأوه من الذنوب، يقال: تأوه الرجل تأوها، وأوه تأويها إذا قال آه. الفراء:
للتوجع.
ومنه قول المثقب العبدي:
[ ص: 529 ] إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
وقوله: حليم قال لم يعاقب أحدا إلا في الله، ولم يقتص من أحد إلا لله. ابن عباس:قوله: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم أي: ما كان الله ليوقع الضلالة في قلوبهم بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون، فلا يتقونه، وذلك أنه لما حرم الاستغفار للمشركين على المؤمنين، بين أنه لم يكن الله ليأخذهم به قبل أن يبين تحريمه، فإذا لم يحرموه عند ذلك يستحقون الإضلال.