إذ قال يوسف لأبيه يا أبت قال التاء في يا أبت هاء، وأصل دخولها للسكت وهو قولهم: يا أباه. الفراء:
ثم سقطت الألف لدلالة فتحة الباء عليها، وانصرفت الهاء إلى لفظ التاء لكثرة الاستعمال، تشبيها بتاء التأنيث، وكسرت تقديرا أن بعدها ياء الإضافة، ولم تستعمل في غير النداء؛ لأن هاء السكت مع الألف لا يدخلان إلا في النداء، والاختيار كسر التاء في هذه القراءة لأنها أجريت مجرى تاء التأنيث وكسرت على الإضافة إلى نفس المتكلم على معنى: يا أبتي، ثم حذفت الياء لأن ياء الإضافة تحذف في النداء، ومن فتح التاء أبدل الياء بالألف فقال: يا أبتا ثم حذف الألف وأبقى الفتحة دالة عليها كقول الأعشى:
ويا أبتا لا تزل عندنا فإنا نخاف بأن تخترم
وقال رؤبة:يا أبتا علك أو عساكا
وقوله: إني رأيت أحد عشر كوكبا قال المفسرون: رأى يوسف عليه السلام وهو ابن اثنتي عشرة سنة أن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر سجدن له، فكانت الكواكب في التأويل إخوته، والشمس أمه والقمر أباه، فلما قصها على يعقوب أشفق عليه من حسد إخوته له فقال له: يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ، وذلك أن يوسف عليه السلام كان نبيا في علم الله مذ كان، وعلم ورؤيا الأنبياء وحي، يعقوب أن إخوة يوسف يعرفون تأويلها ويخافون علو يوسف عليهم فيعملون عملا يكون فيه هلاكه، وهو قوله: فيكيدوا لك كيدا أي: فيحتالوا في هلاكك إن الشيطان للإنسان عدو مبين ظاهر العداوة، يزين له الباطل.
قوله: وكذلك يجتبيك ربك قال الزجاج، وابن الأنباري: ومثل ما رأيت من الرفعة والحال الجليلة، يختارك ربك ويصطفيك من بين إخوتك.
ويعلمك من تأويل [ ص: 601 ] الأحاديث قال ابن عباس، وقتادة، يريد والتأويل تعبير الأحلام، والتأويل: ما يؤول إليه المعنى في الرؤية، والأحاديث هي أحاديث الناس عما يرونه في منامهم. ومجاهد:
ويتم نعمته عليك بالنبوة وعلى آل يعقوب يعني: المختصين بالنبوة منهم كما أتمها بالنبوة على أبويك قال قتادة: كل ذلك فعل الله به، اجتباه واصطفاه وعلمه من تأويل الأحاديث، فكان أعبر الناس للرؤيا وأتم النعمة عليه.
إن ربك عليم حيث يضع النبوة حكيم في خلقه.