وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين
قوله: وراودته التي هو في بيتها عن نفسه يعني امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها، طلبت منه أن يواقعها، والمراودة: المطالبة بأمر للعمل به، قال طالبته بما تريد النساء من الرجال. الزجاج:
وغلقت الأبواب قال المفسرون: غلقت سبعة أبواب ثم دعته إلى نفسها وقالت هيت لك معناه في [ ص: 607 ] قول جميع أهل اللغة والتفسير: هلم.
قال الفراء، لا مصدر له، ولا تصرف، ولا تثنية ولا جمع ولا تأنيث يقال للاثنين: هيت لكما. وابن الأنباري:
وللجمع هيت لكم.
قال يجوز كسر التاء ورفعه، وكسر بعضهم الهاء، وفتح التاء كل ذلك بمعنى واحد، قال الأخفش: هيت لك بالعبرانية: هنيا لخ، أي: تعال، أعربه القرآن، أما ما روى هشام، عن ابن عامر: هئت لك بكسر الهاء والهمزة وضم التاء فإنها فعلت من الهيئة، قال أبو زيد: هئت للأمر هيئة، وتهيأت له. أبو زيد:
ويجوز تخفيف الهمزة كما يخفف من جيت وشيت، وأنكر أبو عمرو، هذه القراءة وقالا: هيت بمعنى تهيأت، باطل ولم تحك عن العرب. والكسائي
والله أعلم، قال يوسف معاذ الله أعوذ بالله أن أفعل هذا، والمعنى: أعتصم بالله من هذا إنه ربي إن الذي اشتراني هو سيدي أحسن مثواي أي: أنعم علي بإكرامي فلا أخونه في حرمته، إني إن فعلت ذلك كنت ظالما، و لا يفلح الظالمون قال لا يسعد الزناة العاصون. ابن عباس:
قوله: ولقد همت به وهم بها قال أهل التفسير: السدي، وابن إسحاق، والضحاك، فيما ذكروا، عن ومقاتل إنها لما راودت ابن عباس: يوسف جعلت تذكر محاسن يوسف فقالت: يا يوسف، ما أحسن شعرك.
قال: هو أول ما ينتشر من جسدي.
قالت: ما أحسن عينيك.
قال: هي أول ما يسيل على الأرض من جسدي.
قالت: ما أحسن وجهك.
قال: هو للتراب يأكله.
قالت: ما أحسن صورتك.
قال: ربي صورني في الرحم.
قالت: يا يوسف، صورة وجهك أنحلت جسمي.
قال: الشيطان يعينك على ذلك.
قالت: بساط الحرير قد بسطته، قم فاقض حاجتي.
قال: إذن يذهب نصيبي من الجنة.
قالت: ادخل الستر معي.
قال: ليس شيء يسترني من ربي.
فلم تزل تطمعه وتدعوه إلى اللذة ويوسف شاب يجد من شبق الشباب ما يجده حتى جرى الشيطان فيما بينهما، فضرب إحدى يديه إلى جيب يوسف وبيده الأخرى إلى جيب المرأة، فجمع بينهما حتى خلوا في بعض البيوت، فذلك قوله: ولقد همت به وهم بها أي: أرادته وقصدته، وأما هم يوسف فذكر وجلة أهل التفسير: أنه حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن. ابن عباس،
وسئل ما بلغ من هم يوسف؟ قال: استلقت المرأة وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. ابن عباس:
وهذا قول سعيد بن جبير، والضحاك، والسدي، ومجاهد، وابن أبي بزة ، والأعمش، هذا قول المتقدمين، وذكر المتأخرون فرقا بين الهمين: فقال والحسن، أبو العباس [ ص: 608 ] أحمد بن يحيى: همت المرأة بالمعصية مصرة على ذلك وهم يوسف بالمعصية ولم يأتها ولم يصر عليها، فبين الهمين فرق، وشرحه فقال: همت المرأة عازمة على الزنا، ابن الأنباري، ويوسف عارضه ما يعارض البشر من خطرات القلب وحديث النفس فلم يلزمه هذا الهم ذنبا، إذ الرجل الصالح يخطر بقلبه وهو صائم شرب الماء البارد، فإذا لم يشرب كان غير مؤاخذ بما هجس في نفسه.
قال والذي عليه المفسرون أنه هم بها وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته إلا أن الله تفضل بأن أراه البرهان، ألا ترى أنه قال: الزجاج: وما أبرئ نفسي الآية، وقال والذي نذهب إليه في هذه الآية ما يروى عن الصحابة والتابعين من إثبات الهم ليوسف غير عائبين له، بل نقول: إن انصرافه بعد إثبات الهم ونهيه نفسه عن هواها تعظيما لله ومعرفة بحقه أدل على وفور الثواب وتكامل الأجر. ابن الأنباري:
والذين أثبتوا الهم ليوسف من علي، وابن عباس، ووهب، وغيرهم كانوا أعرف بحقوق الأنبياء وارتفاع منازلهم عند الله من الذين نفوا الهم عنه، وقد قال وابن سيرين، إن الله لم يقصص عليكم ذنوب الأنبياء تعييرا لهم، ولكنه قصها عليكم لئلا تقنطوا من رحمته. الحسن:
وقال أبو عبيد: يذهب إلى أن الحجة من الله على أنبيائه أوكد، وهي لهم ألزم، فإذا كان يقبل التوبة منهم فهي إلى قبولها منكم أسرع. الحسن
وقوله: لولا أن رأى برهان ربه قال وعامة المفسرين: مثل له ابن عباس، يعقوب فرأى صورته عاضا على إصبعيه يقول: أتعمل عمل الفجار وأنت مكتوب في الأنبياء؟ فاستحيا منه.
قال مثل له الحسن: جبريل في صورة يعقوب.
وروى عن سعيد بن جبير، قال: مثل له ابن عباس: يعقوب فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله.
وقال رأى يعقوب قائما في البيت يقول: يا السدي: يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق، ومثلك إن واقعتها مثله إذا مات فوقع بالأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك إذا لم تواقعها كمثل الثور الصعب الذي لم يعمل عليه، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت، فيدخل النمل في أصل قرنيه فلا يستطيع أن يدفع عن نفسه.
أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الله بن حامد، أنا أحمد بن محمد بن يزيد السكري، نا محمد بن إبراهيم بن خالد، نا عمرو بن البصري، نا أبو الهيثم خالد بن يزيد البصري، نا جرير، عن ليث، عن عن مجاهد، في ابن عباس لولا أن رأى برهان ربه قال: قعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد بدت بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ، فقام هاربا، وقامت فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد بدت فيما بينهما ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: قوله عز وجل: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ، فقام هاربا وقامت فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته إذا بكف قد بدت فيما بينهما، ليس فيها عضد ولا معصم مكتوب فيها: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله الآية فقام هاربا وقامت، فلما ذهب عنهما الروع عاد وعادت، [ ص: 609 ] فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته قال الله تعالى لجبريل: أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل عاضا على إصبعيه وهو يقول: يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله تعالى في الأنبياء فذلك قوله تعالى: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين قال السوء: خيانة صاحبه، والفحشاء: ركوب الفاحشة. الزجاج:
والمخلصين: الذين أخلصوا دينهم لله، فمن فتح اللام أراد الذين أخلصهم الله من الأسواء، قوله: واستبقا الباب أي: تبادرا إلى الباب يجتهد كل واحد أن يسبق صاحبه فإن سبق يوسف المرأة فتح الباب وخرج، وإن سبقت المرأة أمسكت الباب لئلا يخرج فلم تصل إلا إلى دبر قميصه فقدته، وذلك قوله: وقدت قميصه من دبر أي: قطعته من خلف وألفيا سيدها وجدا وصادفا زوجها عند الباب، فحضرها في ذلك الوقت كيد، فقالت سابقة بالقول ومبرئة نفسها من الأمر وملزمة يوسف بالذنب: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا قال يريد الزنا. ابن عباس:
إلا أن يسجن يحبس في السجن أو عذاب أليم يعني: الضرب بالسياط فلما سبقت هي بطرح الجرم على يوسف غضب يوسف وقال: هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها أي: أعلم معلم وأبين مبين وكان رجلا حكيما من أقارب المرأة، قال كان ابن عمها وكان رجلا حكيما وكان مع زوجها، فقال: قد سمعنا الاشتداد والجلبة من وراء الباب وشق القميص، فلا ندري أيكما كان قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه كانت المرأة صادقة، وإن كان من خلفه فهو صادق. الكلبي:
وقوله: إن كان قميصه قد من قبل إلى فلما رأى قميصه من حكم الشاهد وبيانه عما يوجب الاستدلال به على تمييز الكاذب من الصادق، وقوله: فلما رأى أي: زوج المرأة قميص يوسف قد من دبر قال إنه من كيدكن أي: إن قولك: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن إن كيدكن عظيم ، ثم قال ليوسف يوسف أي: يا يوسف أعرض عن هذا أي: اترك هذا الأمر ولا تذكره واستغفري أنت لذنبك قال لامرأته: توبي أنت من ذنبك إنك كنت من الخاطئين إنك قد أثمت بمراودتك شابا عن نفسه وإرادته على الزنا.