الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا  وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما  واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا  ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا تجعل مع الله إلها آخر لا تعبد معه غيره، ولا تتخذ دونه إلها  ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى عام لجميع المكلفين على نحو يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ، فتقعد مذموما مخذولا لا ناصر لك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه قال ابن عباس : يريد وأمر ربك ليس هو قضاء حكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قول مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وعامة المفسرين.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : العرب تقول: تركته يقضي أمور الناس، أي يأمر فيها فينفذ أمره.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : وقضى ربك معناه أمر; لأنه أمر قاطع حتم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وبالوالدين إحسانا أي: أمر أن تحسنوا بالوالدين.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني ، نا عبد الله بن محمد بن جعفر الأصفهاني ، أنا أبو عمرو القباب ، نا [ ص: 103 ] الفضل بن دكين ، نا أبو معاوية النخعي ، نا أبو عمرو الشيباني ، حدثني صاحب هذه الدار; يعني: عبد الله بن مسعود ، قال: سئل النبي، صلى الله عليه وسلم: " أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لميقاتها، قيل: ثم أي؟ قال: بر الوالدين ولو استزدته لزادني"   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو نصر المهرجاني ، أنا عبيد الله بن محمد بن بطة ، أنا البغوي ، نا أحمد بن عيسى المصري ، نا عبد الله بن وهب ، عن يحيى بن أيوب ، عن زيان بن فائد ، عن سهل بن معاذ ، عن أبيه: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "من بر والديه طوبى له، وزاد الله في عمره"   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصرابادي ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، نا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عثمان ابن أبي شيبة ، نا عبد الله بن إدريس ، عن عبد الرحمن بن سليمان ، عن أسيد بن علي بن عبيد ، مولى بني ساعدة ، عن أبيه ، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ، قال: بينا نحن عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل من بني سلمة ، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟  قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وقوله: إما يبلغن عندك الكبر يعني الكبر في السن إن عاشا عندك أيها الإنسان المخاطب حتى يكبرا، وقرأ حمزة يبلغان قال الفراء : ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال: أحدهما أو كلاهما على الاستئناف، فلا تقل لهما أف قال ابن عباس : يريد بالأف الرديء من الكلام، أن تقول لهما: أماتكما الله، أراحني [ ص: 104 ] الله منكما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : يبلغان أن يخريا أو يبولا، فلا تقل لهما أف، ولا تأذيهما كما لم يكونا يتأذيان به منك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن قتيبة : لا تستثقل شيئا من أمرهما، الناس يقولون لما يكرهون ويستثقلون أف له.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي ، أنا حاجب بن أحمد ، نا عبد الرحيم بن منيب ، نا جرير ، أنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " رغم أنفه، رغم أنفه، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما، أو كلاهما، ثم لم يدخل الجنة"  ، رواه مسلم ، عن زهير بن حرب ، عن جرير وقوله: ولا تنهرهما يقال: نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : يريد الجواب بالغلظة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقل لهما قولا كريما لينا لطيفا أحسن ما تجد من القول.

                                                                                                                                                                                                                                      واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ألن لهما جانبك متذللا لهما من رحمتك إياهما وشفقتك عليهما، وخفض الجناح من السكون وترك التعصب والإباء عليهما، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا أي: مثل رحمتهما إياي في صغري حتى ربياني، وقال قتادة : هكذا علمتم، وبهذا أمرتم، فخذوا بتعليم الله وأدبه.

                                                                                                                                                                                                                                      ربكم أعلم بما في نفوسكم أي: بما تضمرون من البر والعقوق، فمن بدرت منه بادرة وهو لا يضمر عقوقا، غفر الله له ذلك، وهو قوله: إن تكونوا صالحين طائعين لله تعالى، فإنه كان للأوابين الراجعين عن المعاصي، النادمين على الزلات، غفورا يغفر لهم ما بدر منهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية