قوله: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرءون كتابهم ولا يظلمون فتيلا ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا
ولقد كرمنا بني آدم قال : فضلنا كقوله: ابن عباس هذا الذي كرمت علي والمعنى: فضلناهم بالعقل والنطق والتمييز.
وقال : بامتداد القامة. عطاء
وروى ، عن ميمون بن مهران ، قال: ابن عباس آدم ، فإنه يأكل بيديه . ليس من دابة إلا وهي [ ص: 118 ] تأكل بفيها إلا ابن
وروى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسيره هذه الآية: قال: جابر بن عبد الله "الكرامة الأكل بالأصابع" .
وحملناهم في البر على الإبل والخيل والبغال والحمير، وفي البحر على السفن، ورزقناهم من الطيبات يعني الثمار والحبوب والمواشي، والسمن والزبد والحلاوى، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا قال : فضلوا على البهائم والدواب والوحوش، وهم الكثير. السدي
أخبرنا الحسين بن محمد بن زكريا الجوهري ، أنا أبو عمرو بن نجيد ، نا ، نا محمد بن أيوب ، نا محمد بن سنان العوقي عبد الله بن عمر ، نا سهيل ، عن أبيه ، عن ، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: قال أبي هريرة " من رأى رجلا به بلاء قد عوفي منه، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، فقد أدى شكر ذلك البلاء . "
قوله: يوم ندعو كل أناس قال : يعني به يوم القيامة، وهو منصوب على معنى اذكر يوم ندعو. الزجاج
وقوله: بإمامهم قال ، مجاهد : نبيهم. وقتادة
ويكون المعنى على هذا: أن ينادى يوم القيامة، فيقال: هاتوا متبعي إبراهيم، هاتوا متبعي موسى وعيسى ، هاتوا متبعي محمد عليهم السلام.
فيقوم أهل الحق الذين اتبعوا الأنبياء، فيأخذون كتبهم بأيمانهم، ثم يقال: هاتوا متبعي الشيطان، هاتوا متبعي رؤساء الضلالة.
وهذا معنى قول في رواية ابن عباس : إمام هدى، أو إمام ضلالة. سعيد بن جبير
ونحو هذا، روى ، قال: بأئمتهم في الخير والشر. الوالبي
وقال ، الضحاك وابن زيد : يعني في كتابهم الذي أنزل عليهم.
والمعنى على هذا أن يقال: يا أهل القرآن، يا أهل التوراة، يا أهل الإنجيل.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن محمويه ، نا عبد الله بن عمر بن علي الجوهري ، نا جعفر بن شعيب الشاشي ، نا محمد بن يوسف ، نا ، عن أبو قرة ، عن مالك بن أنس زياد بن سعيد ، عن أبي الزبير ، نا ، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: جابر بن عبد الله " محمد في أمته، فينادي المنادي: ليكن الآخرون هم الأولين ، فتأتي فتتخطى رقاب الناس حتى تكون أقرب الناس من الله منزلة، ثم يدعى اليهود، فيقال: ما أنتم؟ فيقولون: نحن اليهود، فيقال: ما كتابكم؟ فيقولون: التوراة، فيقال: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا إذا كان يوم القيامة، وجمعت الأمم، فيقال: من هذه الأمة؟ ويتشرف إليها الناس، فيقال: هذا موسى ، فيقال: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد عزيرا ، نعبد الله، فيقال: اسلكوا بهؤلاء في جهنم، ويدعى النصارى، فيقال: ما أنتم؟ فيقولون: نحن النصارى، فيقال لهم: ما كتابكم؟ فيقولون: الإنجيل، فيقال لهم: من نبيكم؟ فيقولون: نبينا عيسى ابن مريم ، فيقال: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد عيسى وأمه والله، فيقال: اسلكوا بهؤلاء في [ ص: 119 ] جهنم، ثم يدعون بشرا كثيرا بما كانوا يعبدون من آلهتهم، منها الحجارة، ومنها الشمس، والقمر، فيقال: من كان يعبد إلها، فليتبعه، تقدمهم آلهتهم، ثم يبقى المسلمون، فيقف بهم ربهم، عز وجل، فيقول: ما أنتم؟ فيقولون: نحن المسلمون، فيقول: خير اسم، وخير داعية، فيقول: من نبيكم؟ قالوا: نبينا محمد ، صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما كتابكم؟ فيقولون: القرآن، فيقول: ما تعبدون؟ قالوا: نعبد الله وحده، فيقول: أتعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيتجلى الرب، عز وجل، فيخرون له سجدا، فيقولون: أنت ربنا، جل جلالك، ثم يمضي النور بأهله" .
وقوله: ولا يظلمون فتيلا أي: لا ينقصون من ثوابهم بمقدار فتيل، وهو القشرة التي في شق النواة، ويضرب مثلا للشيء الحقير.
قوله: ومن كان في هذه يعني في الدنيا، أعمى عما يرى من قدرة الله تعالى في خلق السماوات والأرض، والبحار والجبال، فهو في الآخرة أي: في أمرها مما لم يعاينه، أعمى أشد عمى، وكلاهما من عمى القلب لا من عمى العين، قال : من عاين الشمس والقمر، فلم يؤمن، فهو أعمى عما يغيب عنه، أن يؤمن به هذا الذي ذكرنا قول عامة المفسرين. قتادة
وقال : من كان في الدنيا ضالا كافرا، فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا; لأنه في الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل توبته. الحسن
اختار هذا القول، فقال: تأويله إنه إذا عمي في الدنيا، وقد عرفه الله الهدى، وجعل له إلى التوبة وصلة، فعمي عن رشده، ولم يتب، فهو في الآخرة أعمى، أي: أشد عمى وأضل سبيلا; لأنه لا يجد طريقا إلى الهداية. أبو إسحاق الزجاج
واختاره أبو علي الفارسي أيضا، فقال: معنى قوله: فهو في الآخرة أعمى أي: أشد عمى لأنه في الدنيا كان ممكنا من الخروج عن عماه بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إلى الخروج من عماه; لأنه قد حصل على عمله.
وكذلك قوله: وأضل سبيلا لأن ضلاله في الآخرة لا سبيل له إلى الخروج منه، وقرأ أبو عمرو في هذه أعمي بكسر الميم، فهو في الآخرة أعمى بفتح الميم، أراد أن يفرق بين ما هو اسم، وبين ما هو أفعل منه، فغاير بينهما بالإمالة، وتركها لأن معنى قوله: فهو في الآخرة أعمى أي: أعمى منه في الدنيا، ومعنى العمى في الآخرة أنه لا يهتدي إلى طريق الثواب.