الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا  قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا  أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا  وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا  فأردنا أن يبدلهما [ ص: 160 ] ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية قال ابن عباس : هي أنطاكية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن سيرين : الأبلة.

                                                                                                                                                                                                                                      استطعما أهلها سألاهم الطعام، فأبوا أن يضيفوهما روى أبي بن كعب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "كانوا أهل قرية لئاما"   .

                                                                                                                                                                                                                                      والتضييف والإضافة بمعنى واحد، فوجدا فيها في تلك القرية، جدارا يريد أن ينقض الإرادة في صفة الجدار مجاز، ومعناه: قرب أن ينقض، وذلك على التشبيه بحال من يريد أن يفعل، قال الزجاج : والجدار لا يريد إرادة حقيقية إلا أن هيئته في التهيؤ للسقوط قد ظهرت كما تظهر أفعال المريدين القاصدين.

                                                                                                                                                                                                                                      فوصف الإرادة إذ كانت الصورتان واحدة، وأنشد الراعي يصف إبلا:


                                                                                                                                                                                                                                      في مهمة فلقت به هاماتها فلق الفؤوس إذا أردن نصولا

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الانقضاض السقوط بسرعة، يقال: انقض الحائط إذا وقع، وانقض الطائر إذا هوى من طيرانه فسقط على شيء، وقوله: فأقامه أي سواه; لأنه وجده مائلا، وفي حديث أبي بن كعب : انتهيا إلى جدار مائل، فدفعه بيده فقام، فقال موسى : لو شئت لاتخذت عليه أي: على إقامته وإصلاحه، أجرا قال الفراء : لو شئت لم تقمه حتى يقرونا، فهو الأجر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو عمرو لتخذت يقال: تخذ فلان، يتخذ تخذا مثل اتخذ، ألزمت التاء الحرف كأنها أصلية، لما رأوا التاء في اتخذ ظنوها أصلية، فقالوا في الثلاثي تخذ، كما قالوا: تقي من اتقى.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الخضر : هذا فراق بيني وبينك أي: هذا الكلام والإنكاء علي بترك الأجر، هو المفرق بيننا، قال الزجاج : المعنى هذا فراق بيننا، أي هذا فراق اتصالنا، وكرر بين تأكيدا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية