وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم
قوله: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الرسول: الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل إليه عيانا، ومحاورته إياه شفاها.
والنبي: الذي تكون نبوته إلهاما أو مناما، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسول.
وقوله: إلا إذا تمنى قال إلا إذا قرأ. ابن عباس:
وقال المفسرون: تلا.
وذكرنا التمني بمعنى القراءة في قوله: إلا أماني .
قوله: ألقى الشيطان في أمنيته أي تلاوته، قال جماعة من المفسرين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصا على إيمان قومه، فجلس يوما ما في مجلس لهم، وقرأ عليهم سورة النجم، فلما أتى إلى قوله: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان في أمنيته حتى وصل: "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" ، ففرح المشركون بذلك، وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فأتاه جبريل، وأخبره بما جرى من الغلط على لسانه، فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية، وهذا قول ابن عباس، والسدي، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم. وسعيد بن جبير
قال عن عطاء، ابن عباس: إن شيطانا يقال له الأبيض أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فألقى في قراءته: "وإنها الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى" .
[ ص: 277 ] وقال عن أصحابه: لما وقع من هذا ما وقع، أنزل الله هذه الآية يطيب نفس السدي، محمد، ويخبره أن الأنبياء قبله قد كانوا مثله، ولم يبعث نبي إلا تمنى أن يؤمن قومه، ولم يتمن ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضي قومه.
فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم وعلى هذا معنى قوله: إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته إذا أحب شيئا ألقى الشيطان في محبته، وهذا دليل على جواز ثم لا يقارون على ذلك، وعلى ما قال الخطأ والنسيان على الرسل، إنما قاله الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن له من ذلك إحساس قبل، كانت فتنة من الله لعباده المؤمنين والمشركين. ابن عباس،
وهو قوله: ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة أي محنة، ولله أن يمتحن بما يشاء، واللام في قوله: ليجعل متعلقة بقوله: ألقى، أي: ليجعل الله ما يلقي فتنة، للذين في قلوبهم مرض شك ونفاق، وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك، ثم نسخ ورفع، فازدادوا عتوا، وظنوا أن محمدا يقول الشيء من عند نفسه ثم يندم فيبطله، وكذلك المشركون ازدادوا شرا وضلالة وتكذيبا، وهو قوله: والقاسية قلوبهم قال يريد المشركين، وهم الذين لا تلين قلوبهم لتوحيد الله. ابن عباس:
وإن الظالمين يعني: أهل مكة، لفي شقاق بعيد لفي خلاف شديد.
ثم وصف حال المؤمنين في هذه الفتنة، فقال: وليعلم الذين أوتوا العلم التوحيد والقرآن، وقال السدي: والتصديق بنسخ الله.
وهو قوله: أنه الحق من ربك أن نسخ ذلك وإبطاله حق من الله، فيؤمنوا به فيصدقوا بالنسخ، فتخبت له قلوبهم ترق قلوبهم للقرآن فينقادوا لأحكامه، بخلاف المشركين الذين قيل فيهم: والقاسية قلوبهم، ثم بين أن هذا الإيمان والإخبات إنما هو بلطف الله وهدايته إياهم، فقال: وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم .