وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا
وقالوا يعني المشركين، مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق أنكروا أن يكون [ ص: 335 ] الرسول بشرا يأكل الطعام ويمشي في الطريق كما يمشي سائر الناس، يطلب المعيشة، والمعنى أنه ليس يملك ولا ملك، وذلك أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، والملوك لا يتسوقون ولا يتبدلون، فعجبوا من ذلك أن يكون مثلهم في الحال لا يمتاز من بينهم بعلو المحل والجلال، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
وقوله: لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: سل ربك أن ينزل معك ملكا يصدقك بما تقول حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا، ويجعل لك جنانا وكنوزا يغنيك بها عن طلب المعاش.
وهو قوله: أو يلقى إليه كنز قال ابن عباس، أو ينزل إليه مال من السماء. ومقاتل:
أو تكون له جنة بستان، يأكل منها من ثمارها، من قرأ بالنون أراد أنه يكون له بذلك مزية علينا في الفضل بأن نأكل من جنته، وقال الظالمون المشركون للمؤمنين، إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ما تتبعون إلا مخدوعا مغلوبا على عقله.
انظر يا محمد، كيف ضربوا لك الأمثال يعني: حين مثلوه بالمسحور وبالمحتاج المتروك والناقص عن القيام بالأمور، فضلوا بهذا يعني الهدى، فلا يستطيعون سبيلا لا يجدون إلى الحق طريقا، وقال مقاتل: لا يجدون مخرجا مما قالوا.
يعني أنهم كذبوا فيما زعموا فلزمهم ذلك الكذب، ولم يجدوا منه مخرجا، حجة أو برهانا.
ثم أخبر الله تعالى أنه لو شاء لأعطى نبيه صلى الله عليه وسلم من الدنيا خيرا مما قالوا، فقال تبارك وتعالى: تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك الذي قالوا أو أفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا، وهو قوله: جنات تجري من تحتها الأنهار يعني: في الدنيا؛ لأنه قد شاء أن يعطيه إياها في الآخرة، وقوله: ويجعل لك قصورا من قرأ بالجزم كان المعنى: إن شاء يجعل لك قصورا، قال أي سيعطيك الله في الآخرة أكثر مما قالوا. الزجاج:
ثم أخبر عن تكذيبهم بالبعث، وأوعدهم على ذلك بالنار، فقال: بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا نارا تتلظى.
ثم وصف ذلك السعير، فقال: إذا رأتهم من مكان بعيد قال الكلبي، والسدي، من مسيرة مائة عام. ومقاتل:
سمعوا لها تغيظا أي: صوت تغيظ كالغضبان إذا غلا صدره من الغيظ، وهو الغضب وزفيرا قال إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى نبي ولا ملك مقرب إلا خر لوجهه. عبيد بن عمير:
وإذا ألقوا منها من جهنم، مكانا ضيقا قال المفسرون: يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: "والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط" .
مقرنين قال موثقين في الحديد، قرنوا مع الشياطين، مقاتل: دعوا هنالك ثبورا دعوا بالويل على أنفسهم والهلاك، كما يقول القائل:
[ ص: 336 ] واهلاكاه.
أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، أنا إسماعيل بن نجيد، أنا نا عبيد الله بن محمد العبسي، أنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: " أنس بن مالك، لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا أول من يكسى يوم القيامة إبليس حلة من النار، يضعها على حاجبيه، فيسحبها من خلفه، وذريته من خلفه، وهو يقول: واثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، فيقول الله، عز وجل:
قال أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة. الزجاج: