الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنا كذلك نجزي المحسنين  إنهما من عبادنا المؤمنين  وإن إلياس لمن المرسلين  إذ قال لقومه ألا تتقون  أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين  الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون  إلا عباد الله المخلصين  وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وإن لوطا لمن المرسلين  إذ نجيناه وأهله أجمعين  إلا عجوزا في الغابرين ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين  وبالليل أفلا تعقلون  وإن يونس لمن المرسلين  إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين  فالتقمه الحوت وهو مليم  فلولا أنه كان من المسبحين  للبث في بطنه إلى يوم يبعثون

إنا كذلك نجزي المحسنين هكذا نجزي كل محسن إنه من عبادنا المؤمنين المصدقين بالتوحيد.

قال الفراء عن حيان الكلبي : إل ياسين يعني به النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا قال سلام على إل ياسين ، فالمعنى سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وآل كل نبي من اتبعه على دينه ، وآل فرعون من اتبعه على دينه ، فذلك قوله عز وجل : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . راجع إلى مقاتل : وإن لوطا لمن المرسلين أرسل إلى سدوم ، ودارموا ، وعامورا ، وصابورا ، أربع مدائن ، كل مدينة مائة ألف إذ نجيناه وأهله أجمعين يعني ابنتيه ريثا ، وزعونا.

ثم استثنى امرأة ، فقال جل وعز : إلا عجوزا في الغابرين يعني في [ ص: 107 ] الباقين في العذاب ثم دمرنا الآخرين نظيرها في الشعراء الآخرين ، ثم أهلكنا بقيتهم بالخسف والحصب.

وإنكم يا أهل مكة لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون على القرى نهارا وليلا وغدوة وعشية ، إذا انطلقتم إلى الشام إلى التجارة ، وإن يونس وهو ابن متى من أهل نينوى لمن المرسلين كان من بني إسرائيل.

إذ أبق إلى الفلك المشحون الموقر من الناس والدواب ، فساهم وذلك أنه دخل السفينة ، فلف رأسه ونام في جانبها ، فوكل الله عز وجل به الحوت ، واسمها اللخم ، فاحتبست سفينتهم ، ولم تجر ، فخاف القوم الغرق ، فقال بعضهم لبعض : إن فينا لعبدا مذنبا ، قالوا له وهو ناحيتها : يا عبد الله من أنت ؟ ألا ترى أنا قد غرقنا ؟ قال : أنا المطلوب أنا يونس بن متى ، فاقذفوني في البحر.

قالوا : نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله ، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه ، فقالوا : لا ، ولكن نكتب أسماءنا ، ثم نقذف بها في الماء ، ففعل ذلك ، فقالوا : اللهم إن كان هذا طلبتك ، فغرق اسمه ، وخرج أسماءنا ، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم ، ثم قالوا الثانية : اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق أسماءنا وارفع اسمه ، فغرقت أسماؤنا ، وارتفع اسمه ، ثم قالوا الثالثة : اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه ، وارفع أسماءنا ، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم ، فلما رأوا ذلك ثلاث مرات أخذوا بيده ليقذفوه في الماء.

ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذي يريد به ؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت ، وليس بينه وبين الماء إلا شبران : لي في عبدي حاجة إني لم أجعل عبدي لك رزقا ، ولكن جعلت بطنك له مسجدا ، فلا تحسري له شعرا وبشرا ، ولا تردي عليه طعاما ولا شرابا ، قال : فقال له الماء والريح : أين أردت أن تهرب ؟ من الذي يعبد في السماء والأرض ، فوالله إنا لنعبده ، وإنا لنخشى أن يعاقبنا ، وجعل يونس يذكر الله عز وجل ، ويذكر كل شيء صنع ولا يدعوه فألهمه الله جل وعز عند الوقت ، فدعاه ففلق دعاؤه البحر والسحاب ، فنادى بالتوحيد ، ثم نزه الرب عز وجل ، أنه ليس أهلا لأن يعصى ، ثم اعترف ، فقال : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

فساهم فكان من المدحضين يعني فقارعهم فكان من المقروعين [ ص: 108 ] المغلوبين فالتقمه الحوت وهو مليم يعني استلام إلى ربه ، قال الفراء : ألام الرجل إذا استحق اللوم وهو مليم ، وقال أيضا : وليم على أمر قد كان منه ، فهو ملوم على ذلك ، رجع إلى قول مقاتل.

فلولا أنه كان قبل أن يلتقمه الحوت من المسبحين يعني من المصلين قبل المعصية ، وكان في زمانه كثير الصلاة والذكر لله جل وعز ، فلولا ذلك للبث في بطنه عقوبة فيه إلى يوم يبعثون الناس من قبورهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية