الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين  وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون  فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون  ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون  وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين  إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون  

ثم قال : وقيضنا لهم في الدنيا قرناء من الشياطين ، يقول : وهيأنا لهم قرناء في الدنيا ، فزينوا لهم ، يقول : فحسنوا لهم ، كقوله : كذلك زين ، يقول : حسن ما بين أيديهم ، يعني من أمر الآخرة ، وزينوا لهم التكذيب بالبعث والحساب والثواب والعقاب أن ذلك ليس بكائن ، "و" زينوا لهم وما خلفهم من الدنيا ، فحسنوه في أعينهم ، وحببوها إليهم حتى لا يعملوا خيرا ، وحق عليهم القول ، يعني وجب عليهم العذاب ، في أمم ، يعني مع أمم ، قد خلت من قبلهم ، يعني من قبل كفار مكة ، من كفار الجن والإنس من الأمم الخالية ، إنهم كانوا خاسرين .

وقال الذين كفروا ، يعني الكفار ، لا تسمعوا لهذا القرآن ، إلى ثلاث آيات ، هذا قول أبي جهل ، وأبي سفيان لكفار قريش ، قالوا لهم : إذا سمعتم القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فارفعوا أصواتكم بالأشعار والكلام في وجوههم ، حتى تلبسوا عليهم قولهم فيسكتون ، فذلك قوله : والغوا فيه بالأشعار والكلام ، لعلكم تغلبون ، يعني لكي تغلبوهم فيسكتون.

فأخبر الله تعالى بمستقرهم في الآخرة ، فقال : فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ، يعني أبا جهل وأصحابه ، ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون من الشرك.

[ ص: 166 ] ذلك العذاب جزاء أعداء الله النار ، يعني أبا جهل وأصحابه ، لهم فيها دار الخلد لا يموتون ، جزاء بما كانوا بآياتنا ، يعني بآيات القرآن ، يجحدون أنه ليس من الله تعالى ، وقد عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم صادق في قوله ، ونزل في أبي جهل بن هشام ، وأبي بن خلف : إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون الآية.

وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس ؛ لأنهما أول من أقاما على المعصية من الجن إبليس ، ومن الإنس ابن آدم قاتل هابيل رأس الخطيئة ، نجعلهما تحت أقدامنا ، يعني من أسفل منا في النار ، ليكونا من الأسفلين في النار.

ثم أخبر عن المؤمنين ، فقال : إن الذين قالوا ربنا الله ، فعرفوه ، ثم استقاموا على المعرفة ، ولم يرتدوا عنها ، تتنزل عليهم الملائكة في الآخرة من السماء ، وهم الحفظة ، ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ، وذلك أن المؤمن إذا خرج من قبره ، فينفض رأسه ، وملكه قائم على رأسه يسلم عليه ، فيقول الملك للمؤمن : أتعرفني ؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا الذي كنت أكتب عملك الصالح ، فلا تخف ولا تحزن ، وأبشر بالجنة التي كنت توعد ، وذلك أن الله وعدهم على ألسنة الرسل في الدنيا الجنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية