تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين
وكان استعجالهم حين قالوا : يا هود فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، وكانوا أهل عمود سيارة في الربيع ، فإذا هاج العمود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة آدم بن شيم بن سام بن نوح ، وكانوا أصهاره ، وكان طول أحدهم اثني عشر ذراعا ، وكان فيهم الملك ، فلما كذبوا هودا حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين ، فلما دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان ، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر الثور.
فقالت الخزان : يا رب ، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها ، قال : أرسلوا عليهم مثل خرق الخاتم ، يعني على قدر حلقة الخاتم ، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور من وراء كاوك الرمل ، وكان المطر يأتيهم من تلك الناحية فيما مضى ، فمن ثم : قالوا هذا عارض ممطرنا ، فعمد هو فخط على نفسه ، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من ساقها عين ، فلم يدخل عليهم من الريح إلا النسيم الطيب ، وجعلت الريح شدتها تجيء بالطعن بين السماء والأرض ، فلما رأوا أنهار ريح قالوا : يا هود ، إن ريحك هذا لا تزيل أقدامنا ، وقالوا : من أشد منا قوة ، يعني بطشا ، فقاموا صفوفا فاستقبلوها بصدورهم فأزالت الريح أقدامهم ، فقالوا : يا هود ، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنين أحدهم من تحت الرمل ، فذلك قوله : أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ، وقال لهم هود حين جاءتهم الريح إنها : تدمر كل شيء بأمر ربها يعني تهلك كل شيء من عاد بأمر ربها من الناس والأموال والدواب ، بإذن ربها يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم بالشجر ولم يبق لهم شيء كذلك يقول هكذا [ ص: 227 ] نجزي بالعذاب القوم المجرمين بتكذيبهم ، وهاجت الريح غدوة وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس ، فذلك قوله : سخرها عليهم سبع ليال يعني كاملة دائمة متتابعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور ، ثم بعث الله طيرا سودا فالتقطتهم حتى ألقتهم في البحر".