الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين  

وكان استعجالهم حين قالوا : يا هود فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، وكانوا أهل عمود سيارة في الربيع ، فإذا هاج العمود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة آدم بن شيم بن سام بن نوح ، وكانوا أصهاره ، وكان طول أحدهم اثني عشر ذراعا ، وكان فيهم الملك ، فلما كذبوا هودا حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين ، فلما دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان ، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر الثور.

فقالت الخزان : يا رب ، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها ، قال : أرسلوا عليهم مثل خرق الخاتم ، يعني على قدر حلقة الخاتم ، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور من وراء كاوك الرمل ، وكان المطر يأتيهم من تلك الناحية فيما مضى ، فمن ثم : قالوا هذا عارض ممطرنا ، فعمد هو فخط على نفسه ، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من ساقها عين ، فلم يدخل عليهم من الريح إلا النسيم الطيب ، وجعلت الريح شدتها تجيء بالطعن بين السماء والأرض ، فلما رأوا أنهار ريح قالوا : يا هود ، إن ريحك هذا لا تزيل أقدامنا ، وقالوا : من أشد منا قوة ، يعني بطشا ، فقاموا صفوفا فاستقبلوها بصدورهم فأزالت الريح أقدامهم ، فقالوا : يا هود ، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنين أحدهم من تحت الرمل ، فذلك قوله : أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ، وقال لهم هود حين جاءتهم الريح إنها : تدمر كل شيء بأمر ربها يعني تهلك كل شيء من عاد بأمر ربها من الناس والأموال والدواب ، بإذن ربها يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم بالشجر ولم يبق لهم شيء كذلك يقول هكذا [ ص: 227 ] نجزي بالعذاب القوم المجرمين بتكذيبهم ، وهاجت الريح غدوة وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس ، فذلك قوله : سخرها عليهم سبع ليال يعني كاملة دائمة متتابعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور ، ثم بعث الله طيرا سودا فالتقطتهم حتى ألقتهم في البحر".

التالي السابق


الخدمات العلمية