الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون  في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم  

يسألونك عن الخمر والميسر ، يعني القمار، نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، ونفر من الأنصار، رضي الله عنهم، وذلك أن الرجل كان يقول في الجاهلية: أين أصحاب الجزور، فيقوم نفر، فيشترون الجزور، فيجعلون لكل رجل منهم سهما، ثم يقرعون، فمن خرج سهمه يبرأ من الثمن، حتى يبقى آخرهم رجلا، فيكون ثمن الجزور كله عليه وحده، ولا حق له في الجزور، ويقتسم الجزور بقيتهم بينهم، فذلك الميسر، قال سبحانه: قل فيهما إثم كبير ، في ركوبهما; لأن فيهما ترك الصلاة، وترك ذكر الله عز وجل، وركوب المحارم، ثم قال سبحانه: ومنافع للناس ، يعني بالمنافع اللذة والتجارة في ركوبهما قبل التحريم، فلما حرمهما الله عز وجل، قال: وإثمهما بعد التحريم، أكبر من نفعهما قبل التحريم، وأنزل الله عز وجل تحريمهما بعد هذه الآية بسنة، والمنفعة في الميسر أن بعضهم ينتفع به، وبعضهم يخسر، يعني المقامر، وإنما سمي الميسر; لأنهم قالوا: يسروا لنا ثمن الجزور، يقول الرجل: افعل كذا وكذا.

ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ، في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى ، وذلك أن الله عز وجل أنزل في أموال اليتامى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، فلما نزلت هذه الآية، أشفق المسلمون من خلطة اليتامى، فعزلوا بيت اليتيم وطعامه وخدامه على حدة مخافة العذر، فشق ذلك على المسلمين، وعلى اليتامى اعتزالهم، فقال ثابت بن رفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم: قد سمعنا ما أنزل الله عز وجل في اليتامى فعزلناهم، والذي لهم، وعزلنا الذي لنا، فشق ذلك علينا وعليهم، وليس كلنا يجد سعة في عزل اليتيم وطعامه وخادمه، فهل يصلح لنا خلطتهم، فيكون البيت والطعام واحدا والخدمة وركوب الدابة، ولا نرزأهم شيئا، إلا أن نعود عليهم بأفضل منه، فأنزل الله عز وجل في قول ثابت بن رفاعة الأنصاري : [ ص: 117 ] ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير ، يقول: ما كان لليتيم في صلاح، فهو خير أن تفعلوه.  

ثم قال سبحانه: وإن تخالطوهم في المسكن والطعام والخدمة وركوب الدابة، فإخوانكم ، فهم إخوانكم، والله يعلم المفسد ، لمال اليتيم، من المصلح لماله، ولو شاء الله لأعنتكم ، يقول: لآثمكم في دينكم، نظيرها في براءة قوله سبحانه: عزيز عليه ما عنتم ، يقول: ما أثمتم، فحرم عليكم خلطتهم في الذي لهم، كتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، فلم تنتفعوا بشيء منه، إن الله عزيز في ملكه حكيم ، يعني ما حكم في أموال اليتامى.

التالي السابق


الخدمات العلمية