ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم
ثم قفينا يعني أتبعنا على آثارهم من بعدهم يعني من بعد نوح وإبراهيم وذريتهما برسلنا في الأمم وقفينا بعيسى ابن مريم يقول: وأتبعنا بعيسى ابن مريم وآتيناه يعني وأعطيناه الإنجيل في بطن أمه وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه يعني اتبعوا عيسى رأفة ورحمة يعني المودة، كقوله: رحماء بينهم ، يقول: متوادين بعضهم لبعض جعل الله ذلك في قلوب المؤمنين بعضهم لبعض.
ثم استأنف الكلام، فقال: ورهبانية ابتدعوها وذلك أنه لما كثر المشركون وهزموا المؤمنين وأذلوهم بعد عيسى ابن مريم، واعتزلوا واتخذوا الصوامع فطال عليهم ذلك، فرجع بعضهم عن دين عيسى، عليه السلام، وابتدعوا النصرانية، فقال الله عز وجل: ورهبانية ابتدعوها تبتلوا فيها للعبادة في التقديم ما كتبناها عليهم ولم نأمرهم بها إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها يقول: لم يرعوا ما أمروا به يقول: فما أطاعوني فيها، ولا أحسنوا حين تهودوا وتنصروا، وأقام أناس منهم على دين عيسى، عليه السلام، حتى أدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وهم أربعون رجلا اثنان وثلاثون رجلا من أرض الحبشة، وثمانية من أرض الشام، فهم الذين كنى الله عنهم، فقال: فآتينا الذين آمنوا يقول: أعطينا الذين آمنوا منهم أجرهم يعني صدقوا يعني جزاءهم وهو الجنة.
قال: وكثير منهم فاسقون يعني الذين تهودوا، وتنصروا فجعل الله تعالى لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الإنجيل أجرهم مرتين بإيمانهم بالكتاب الأول، وكتاب محمد صلى الله عليه وسلم فافتخروا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقالوا: نحن أفضل منكم في الأجر [ ص: 328 ] لنا أجران بإيماننا بالكتاب الأول، والكتاب الآخر الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فشق على المسلمين، فقالوا: ما بالنا قد هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وآمنا به قبلكم، وغزونا معه، وأنتم لم تغزو، فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله يعني وحدوا الله وآمنوا برسوله يقول: صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي رسول يؤتكم كفلين يعني أجرين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به يعني تمرون به على الصراط إلى الجنة نورا تهتدون به ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور لذنوب المؤمنين رحيم بهم.