الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون  إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون  وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين  ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين  

قوله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ، نزلت في سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، وفي رجل من الأنصار، يقال له: عتبان بن مالك الأنصاري، وذلك أن الأنصاري صنع طعاما، وشوى رأس بعير، ودعا سعد بن أبي وقاص إلى الطعام، وهذا قبل التحريم، فأكلوا وشربوا حتى انتشوا، وقالوا الشعر، فقام الأنصاري إلى سعد، فأخذ إحدى لحيي البعير، فضرب به وجهه فشجه، فانطلق سعد مستعديا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل تحريم الخمر.

فقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ، يعني به القمار كله، والأنصاب ، يعني الحجارة التي كانوا ينصبونها ويذبحون لها، والأزلام ، يعني القدحين الذين كانوا يعملون بهما، رجس ، يعني إثم، من عمل الشيطان فاجتنبوه ، يعني من تزيين الشيطان، ومثله في القصص: هذا من عمل الشيطان ، فاجتنبوه ، فهذا النهي للتحريم، كما قال سبحانه: فاجتنبوا الرجس من الأوثان ، فإنه حرام، كذلك فاجتنبوا الخمر، فإنها حرام، لعلكم تفلحون يعني لكي.

إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة ، يعني أن يغري بينكم العداوة، [ ص: 320 ] والبغضاء الذي كان بين سعد وبين الأنصاري حتى كسر أنف سعد، في الخمر والميسر ، ورث ذلك العداوة والبغضاء، "و" يريد الشيطان أن ويصدكم عن ذكر الله ، يقول: إذا سكرتم لم تذكروا الله عز وجل، وعن الصلاة ، يقول: إذا سكرتم لم تصلوا، فهل أنتم منتهون ، فهذا وعيد بعد النهي والتحريم، قالوا: انتهينا يا ربنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الذين آمنوا، إن الله حرم عليكم الخمر، فمن كان عنده منها شيء، فلا يشربها، ولا يبيعها، ولا يسقيها غيره ".

قال: وقال أنس بن مالك: لقد نزل تحريم الخمر وما بالمدينة يومئذ خمر، إنما كانوا يشربون الفصيح، وأما الميسر، فهو القمار، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يقول: أين أصحاب الجزور، فيقوم نفر، فيشترون بينهم جزورا، فيجعلون لكل رجل منهم سهما، ثم يقرعون، فمن خرج سهمه برئ من الثمن، وله نصيب في اللحم، حتى يبقى آخرهم، فيكون عليه الثمن كله، وليس له نصيب في اللحم، وتقسم الجزور بين البقية بالسوية.

وأما الأزلام، فهي القداح التي كانوا يقتسمون الأمور بها، قدحين مكتوب على أحدهما: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، فإذا أرادوا أمرا أتوا بيت الأصنام، فغطوا عليه ثوبا، ثم ضربوا بالقداح، فإن خرج أمرني ربي، مضى على وجهه الذي يريد، وإن خرج نهاني ربي، لم يخرج في سفره، وكذلك كانوا يفعلون إذا شكوا في نسبة رجل، وأما الأنصاب، فهي الحجارة التي كانوا ينصبونها حول الكعبة، وكانوا يذبحون لها.

ثم قال عز وجل: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول في تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، إلى آخر الآية، واحذروا معاصيهما، فإن توليتم ، يعني أعرضتم عن طاعتهما، فاعلموا أنما على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، البلاغ المبين ، في تحريم ذلك، فلما نزلت هذه الآية في تحريم الخمر، قال حيي بن أخطب، وأبو ياسر، وكعب بن الأشرف للمسلمين: فما حال من مات منكم، وهم يشربون الخمر؟ فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إن إخواننا ماتوا وقتلوا، وقد كانوا يشربونها، فأنزل الله عز وجل: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح ، يعني حرج، فيما طعموا ، يعني شربوا من الخمر قبل التحريم، إذا ما اتقوا المعاصي، وآمنوا بالتوحيد، [ ص: 321 ] وعملوا الصالحات ، يعني أقاموا الفرائض قبل التحريم، ثم اتقوا المعاصي، وآمنوا بما يجيء من الناسخ والمنسوخ، ثم اتقوا المعاصي بعد تحريمها، وآمنوا ، يعني وصدقوا، ثم اتقوا الشرك وأحسنوا العمل بعد تحريمها، فمن فعل ذلك، فهو محسن، والله يحب المحسنين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله: " قيل لي إنك من المحسنين ".

التالي السابق


الخدمات العلمية