وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين
[ ص: 155 ] وجاء إخوة يوسف من أرض كنعان، فدخلوا عليه ، أي على يوسف بمصر، فعرفهم يوسف، وهم له منكرون ، يقول: وهم لا يعرفون يوسف، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن بنو يعقوب، نحن من أهل كنعان، قال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أحد عشر، قال: ما لي لا أرى الأحد عشر؟ قالوا: واحد منا عند أبينا، قال: ولم ذلك؟ قالوا: إن أخاه لأمه أكله الذئب، فلذلك تركناه عند أبينا، فهو يستريح إليه.
[ ص: 156 ] ولما جهزهم يوسف بجهازهم ، يعني في أمر الطعام، قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ، يعني بنيامين ، وكان أخاهم من أبيهم، وكان أخا يوسف لأبيه وأمه، ألا ترون أني أوفي ، يعني أوفي لكم الكيل وأنا خير المنزلين ، وأنا أفضل من يضيف بمصر.
فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم ، يعني فلا بيع لكم عندي من الطعام، ولا تقربون بلادي.
قالوا سنراود عنه أباه يعقوب، وإنا لفاعلون ذلك بأبيه.
وقال يوسف لفتيانه ، يعني لخدامه وهم يكيلون لهم الطعام: اجعلوا بضاعتهم يعني دراهمهم في رحالهم ، يعني في أوعيتهم، لعلهم ، يعني لكي يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم ، يعني لكي يرجعون إلينا فلا يحبسهم عنا حبس الدراهم إذا ردت إليهم؛ لأنهم كانوا أهل ماشية.
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل ، يعني منع كيل الطعام، فيه إضمار فيما يستأنف، فأرسل معنا أخانا بنيامين نكتل الطعام بثمن، وإنا له لحافظون من الضيعة.
قال أبوهم: هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل في قراءة هل تحفظونه إلا كما حفظتم أخاه ابن مسعود: يوسف من قبل بنيامين ، فالله خير حافظا ، يعني فالله خير حافظا منكم، وهو أرحم الراحمين ، يعني أفضل الراحمين.
ولما فتحوا متاعهم ، يعني حلوا أوعيتهم، وجدوا بضاعتهم ، يعني دراهمهم، فيها إضمار، ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي بعد هذه إضمار، فإنهم قد ردوا علينا الدراهم، هذه بضاعتنا ، يعني دراهمنا ردت إلينا ونمير أهلنا الطعام، ونحفظ أخانا بنيامين من الضيعة، ونزداد من أجله كيل بعير ، وكان أهل مصر يبيعون الطعام على عدة الرجال، ولا يبيعون على عدة الدواب، وكان الطعام عزيزا، فذلك قوله: كيل بعير من أجله، ذلك كيل يسير سريع لا حبس فيه.
قال أبوهم: لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله ، يعني تعطوني [ ص: 157 ] عهدا من الله، لتأتنني به ، يعني بنيامين ولا تضيعوه كما ضيعتم أخاه يوسف، إلا أن يحاط بكم ، يعني يحيط بكم الهلاك فتهلكوا جميعا، فلما آتوه موثقهم ، يعني عهدهم، قال يعقوب: الله على ما نقول وكيل ، يعني شهيدا بيني وبينكم، نظيرها في القصص: والله على ما نقول وكيل . فلما سرح بنيامين معهم، خشي عليهم العين، وكان بنوه لهم جمال وحسن، وقال يا بني لا تدخلوا مصر من باب واحد ، يعني من طريق واحدة، وادخلوا من أبواب متفرقة ، من طرق شتى، ثم قال: وما أغني عنكم إذا جاء قضاء الله، من الله من شيء إن الحكم إلا لله ، يعني ما القضاء إلا لله، عليه توكلت ، يقول: به أثق، وعليه فليتوكل المتوكلون ، يعني به فليثق الواثقون.
ولما دخلوا مصر من حيث أمرهم أبوهم من طرق شتى، أخذ كل واحد منهم في طريق على حدة، يقول الله تعالى ما كان يعقوب يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها ، كقوله: ولا يجدون في صدورهم حاجة ، وهذا من كلام العرب، يعني إلا أمر شجر في نفس يعقوب، وإنه ، يعني أباهم لذو علم لما علمناه لأن الله تعالى علمه أنه لا يصيب بنيه إلا ما قضى الله عليهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون . ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ، يعني ضم إليه أخاه، قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون ، يقول: فلا تحزن بما سرقوك وجاءوا بالدراهم التي كانت في أوعيتهم فردوها إلى يوسف، عليه السلام.
فلما جهزهم بجهازهم ، يقول: فلما قضى في أمر الطعام حاجتهم، جعل السقاية ، وهي الإناء الذي يشرب به الملك، في رحل أخيه بنيامين ، ثم أذن مؤذن ، يعني نادى مناد، اسمه بعرايم بن بربري ، من فتيان يوسف: أيتها العير ، يعني الرفقة، إنكم لسارقون فانقطعت ظهورهم وساء ظنهم.
فـ قالوا وأقبلوا عليهم ، فيها تقديم وأقبلوا على المنادي، ثم قالوا: ماذا تفقدون . [ ص: 158 ] قالوا المنادي ومن معه لإخوة يوسف: نفقد صواع الملك ، يعني إناء الملك، وكان يكال به كفعل أهل العساكر، ولمن جاء به حمل بعير ، يعني وقر بعير، وأنا به زعيم ، يعني به كفيل.
فرد الإخوة القول على المنادي، قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض ، يعني أرض مصر بالمعاصي، وما كنا سارقين ، وقد رددنا عليكم الدراهم التي كانت في أوعيتنا، ولو كنا سارقين ما رددناها عليكم.
قالوا ، أي المنادي ومن معه: فما جزاؤه ، أي السارق، إن كنتم كاذبين . قالوا جزاؤه من وجد في رحله ، يعني في وعائه، يعني المتاع، فهو جزاؤه ، يعني هو مكان سرقته، كذلك نجزي الظالمين ، يعني هكذا نجزي السارقين، كقوله في المائدة: فمن تاب من بعد ظلمه ، يعني بعد سرقته، وكان الحكم بأرض مصر أن يغرم السارق عبدا يستخدم على قدر ضعف ما سرق ويترك، وكان الحكم بأرض كنعان أن يتخذ السارق عبدا يستخدم على قدر سرقته، ثم يخلى سبيله، فيذهب حيث شاء، فحكموا بأرض مصر بقضاء أرضهم.
فبدأ المنادي بأوعيتهم ، فنظر فيها، فلم ير شيئا، قبل وعاء أخيه ، ثم انصرف ولم ينظر في وعاء بنيامين ، فقال: ما كان هذا الغلام ليأخذ الإناء، قال إخوته: لا ندعك حتى تنظر في وعائه، فيكون أطيب لنفسك، فنظر، فإذا هو بالإناء، ثم استخرجها من وعاء أخيه ، يعني من متاع أخيه، وهو أخو يوسف لأبيه وأمه، كذلك كدنا ، يعني هكذا صنعنا ليوسف أن يأخذ أخاه خادما بسرقته في دين الملك، يعني في سلطان الملك، فذلك قوله: ما كان ليأخذ أخاه ، يعني ليحبس أخاه، في دين الملك ، يعني حكم الملك، لأن حكم الملك أن يغرم السارق [ ص: 159 ] ضعف ما سرق ثم يترك، إلا أن يشاء الله ذلك ليوسف، نرفع درجات من نشاء ، يعني فضائل يوسف حين أخذ أخاه، ثم قال: وفوق كل ذي علم عليم ، يقول الرب تعالى عالم، وفوق كل ذي علم عليم ، يقول: يوسف أعلم إخوته.
ثم قال إخوة يوسف: قالوا إن يسرق بنيامين، فقد سرق أخ له من قبل بنيامين يعنون يوسف، عليه السلام، وذلك أن جد يوسف أبا أمه كان اسمه لاتان، كان يعبد الأصنام، فقالت راحيل لابنها يوسف، عليه السلام: خذ الصنم ففر به من البيت، لعله يترك عبادة الأوثان، وكان من ذهب، ففعل ذلك يوسف، عليه السلام، فتلك سرقة يوسف التي قالوا، فلما سمع يوسف مقالتهم، فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ، ولم يظهرها لهم، قال في نفسه: أنتم شر مكانا ، ولم يسمعهم، قال: أنتم أسوأ صنعا فيما صنعتم بيوسف، والله أعلم بما تصفون ، يعني بما تقولون من الكذب أن يوسف سرق.
فعندها قالوا: ما لقينا من ابني راحيل يوسف وأخيه؟ فقال بنيامين: ما لقي ابنا راحيل منكم؟ أما يوسف، فقد فعلتم به ما فعلتم، وأما أنا فسرقتموني، قالوا: فمن جعل الإناء في متاعك؟ قال: جعله في متاعي الذي جعل الدراهم في أمتعتكم، فلما ذكر الدراهم شتموه، وقالوا: لا تذكر الدراهم، مخافة أن يؤخذوا بها.
قالوا ، أي إخوة يوسف ليوسف: يا أيها العزيز ، وذلك أن أرض مصر صارت إليه، وهو خازن الملك، إن له ، يعني بنيامين ، أبا شيخا كبيرا ، حزينا على ابن مفقود، فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين إلينا إن فعلت بنا ذلك.
قال يوسف: معاذ الله ، يقول: نعوذ بالله أن نأخذ ، يعني أن نحبس بالسرقة إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون أن نأخذ البريء مكان السقيم.
فلما استيأسوا منه ، يقول: يئسوا من بنيامين ، خلصوا نجيا ، يعني خلوا يتناجون بينهم على حدة، وقال بعضهم لبعض: قال كبيرهم ، يعني عظيمهم في أنفسهم وأعلمهم، وهو يهوذا ، ولم يكن أكبرهم في السن: [ ص: 160 ] ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ، يعني في أمر بنيامين لتأتنه به، ومن قبل بنيامين ما فرطتم في يوسف ، يعني ضيعتم، فلن أبرح الأرض ، يعني أرض مصر، حتى يأذن لي أبي في الرجعة، أو يحكم الله لي فيرد علي بنيامين ، وهو خير الحاكمين ، يعني أفضل القاضين.
ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق ، يعني بنيامين ، وما شهدنا إلا بما علمنا ، يعني رأينا الصواع حين أخرج من متاعه، وما كنا للغيب حافظين ، يعني وما كنا نرى أنه يسرق، ولو علمنا ما ذهبنا به معنا.