الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون  قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم  وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم  قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين  قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون  يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون  فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين  قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين  قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين  اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين  ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون  قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون  قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين  قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم  

واسأل القرية ، يعني مصر، التي كنا فيها أنه سرق، والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون [ ص: 161 ] فيما نقول، قال لهم يعقوب: كلما ذهبتم نقص منكم واحد، وكان يوسف، عليه السلام، حبس بنيامين ، وأقام شمعون ، ويهوذا ، فاتهمهم يعقوب، عليه السلام.

فـ قال بل سولت لكم ، يعني ولكن زينت لكم أنفسكم أمرا ، كان هو منكم هذا، فصبر جميل ، يعني صبرا حسنا لا جزع فيه، عسى الله أن يأتيني بهم جميعا ، يعني بنيه الأربعة، إنه هو العليم بخلقه الحكيم ، يعني الحاكم فيهم، ولم يخبر الله يعقوب بأمر يوسف ليختبر صبره.

وتولى عنهم ، يعني وأعرض يعقوب عن بنيه، ثم أقبل على نفسه، وقال يا أسفى ، يعني يا حزناه على يوسف وابيضت عيناه ست سنين لم يبصر بهما، من الحزن على يوسف فهو كظيم ، يعني مكروب يتردد الحزن في قلبه.

قالوا ، أي قال بنوه يعيرونه: تالله تفتأ ، يعني والله ما تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضا ، يعني الدنف ، أو تكون من الهالكين ، يعني الميتين.

قال لهم أبوهم: إنما أشكو بثي ، يعني ما بثه في الناس، وحزني ، يعني ما بطن، إلى الله وأعلم من الله ، يعني من تحقيق رؤيا يوسف أنه كائن، ما لا تعلمون . يا بني اذهبوا فتحسسوا من ، يعني فابحثوا عن يوسف وأخيه بنيامين ، ولا تيأسوا من روح الله ، يعني من رحمة الله، إنه لا ييأس من روح الله ، يعني من رحمة الله، إلا القوم الكافرون ، وذلك أن يعقوب، عليه السلام، رأى ملك الموت في المنام، فقال له: هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا، وبشره، فلما أصبح، قال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من .

فلما دخلوا عليه يوسف، قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر ، يعني الشدة والبلاء من الجوع، وجئنا ببضاعة مزجاة يعني دراهم نفاية فجوزها عنا، فأوف ، يعني فوفوا لنا الكيل بسعر الجياد، وتصدق علينا ، يقول: تكون هذه صدقة منك، يعنون معروفا أن تأخذ النفاية وتكيل لنا الطعام بسعر الجياد، [ ص: 162 ] إن الله يجزي المتصدقين لمن كان على ديننا إضمار، ولو علموا أنه مسلم لقالوا: إن الله يجزيك بصدقتك.

فلما سمع ما ذكروا من الضر، قال لهم هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ، يعني بي وبأخي بنيامين ، إذ أنتم جاهلون ، يعني مذنبين.

قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا ، يقول: قد أنعم الله علينا، إنه من يتق الزنا، ويصبر على الأذى، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، يعني جزاء من أحسن حتى يوفيه جزاءه.

قالوا تالله ، يعني والله، لقد آثرك الله علينا ، يعني اختارك، كقوله في طه: لن نؤثرك ، يعني لن نختارك علينا عند يعقوب، وأعطاك وملكك الملك، وإن كنا لخاطئين في أمرك، فأقروا بخطيئتهم.

قال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم ، يقول: لا تعيير عليكم، لم يثرب عليهم بفعلهم القبيح، يغفر الله لكم ما فعلتم وهو أرحم الراحمين من غيره.

اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا بعد البياض، وأتوني بأهلكم أجمعين ، فلا يبقى منكم أحد.

ولما فصلت العير من مصر إلى كنعان ثمانين فرسخا، قال أبوهم يعقوب لبني بنيه: إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ، يعني لولا أن تجهلون.

قالوا بنو بنيه: تالله والله إنك لفي ضلالك القديم ، مثل قوله: إنا إذا لفي ضلال وسعر ، يقول: في شقاء وعناء، يعني في شقاء من حب يوسف وذكره، فما تنساه وقد أتى عليه أربعون سنة.

فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه ، فلما أتاه البشير، وهو الذي ذهب بالقميص الأول الذي كان عليه الدم، وألقى القميص على وجه يعقوب، فارتد [ ص: 163 ] يعني فرجع بصيرا بعد البياض قال يعقوب: يا بني، ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ، وذلك أن يعقوب قال لهم: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، من تحقيق رؤيا يوسف.

قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين في أمر يوسف.

قال أبوهم: إني سوف أستغفر لكم ربي سحرا من الليل إنه هو الغفور للذنوب، الرحيم بالمؤمنين.

التالي السابق


الخدمات العلمية