إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون
[ ص: 235 ] إن الله يأمر بالعدل بالتوحيد، والإحسان ، يعني العفو عن الناس، وإيتاء ، يعني وإعطاء، ذي القربى المال، يعني صلة قرابة الرجل، كقوله: وآت ذا القربى حقه ، يعني صلته، ثم قال سبحانه: وينهى عن الفحشاء ، يعني المعاصي، والمنكر ، يعني الشرك وما لا يعرف من القول، والبغي ، يعني ظلم الناس، يعظكم ، يعني يؤدبكم، لعلكم تذكرون ، يعني لكي تذكروا فتتأدبوا.
لما نزلت هذه الآية بـ مكة، قال أبو طالب بن عبد المطلب: يا آل غالب، اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم تفلحوا وترشدوا، والله إن ابن أخي ليأمر بمكارم الأخلاق، وبالأمر الحسن، ولا يأمر إلا بحسن الأخلاق، والله لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقا أو كاذبا، ما يدعوكم إلا إلى الخير، فبلغ ذلك ، فقال: إن كان الوليد بن المغيرة محمد صلى الله عليه وسلم قاله، فنعم ما قال، وإن إلهه قاله، فنعم ما قال، فأتنا بلسانه، ولم يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم بما جاء به ولم يتبعه، فنزلت: أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا بلسانه وأكدى ، يعني وقطع ذلك.
ثم قال عز وجل: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها ، يقول: لا تنقضوا الأيمان بعد تشديدها وتغليظها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، يعني شهيدا في وفاء العهد، إن الله يعلم ما تفعلون في الوفاء والنقض.
ثم ضرب مثلا لمن ينقض العهد، فقال سبحانه: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ، يعني امرأة من قريش حمقاء مصاحبة أسلمت بمكة تسمى ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وسميت جعرانة لحماقتها، وكانت إذا غزلت الشعر أو الكتان نقضته، قال الله عز وجل: لا تنقضوا العهود بعد توكيدها، كما نقضت المرأة الحمقاء غزلها، من بعد قوة ، من بعد ما أبرمته، أنكاثا ، يعني نقضا، فلا هي تركت الغزل فينتفع به، ولا هي كفت عن العمل، فذلك الذي يعطى العهد، ثم ينقضه، لا هو حين أعطى العهد وفى به، ولا هو ترك العهد فلم يعطه، من بعد قوة ، يعني [ ص: 236 ] من بعد جده، ولم يأثم بربه.
ثم قال سبحانه: تتخذون أيمانكم ، يعني العهد، دخلا بينكم ، يعني مكرا وخديعة يستحل به نقض العهد، أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به ، يعني إنما يبتليكم الله بالكثرة، وليبينن لكم ، يعني من لا يفي بالعهد، يعني وليحكمن بينكم، يوم القيامة ما كنتم فيه من الدين، تختلفون . ثم قال سبحانه: ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ، يعني على ملة الإسلام، ولكن يضل عن الإسلام، من يشاء ويهدي إلى الإسلام، من يشاء ولتسألن يوم القيامة عما كنتم تعملون في الدنيا.