الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون  وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين  لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون  وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين  فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين  فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين

فأنزل الله عز وجل في قولهم: وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا يا معشر كفار مكة أهل الذكر يعني مؤمني أهل التوراة إن كنتم لا تعلمون إن الرسل كانوا من البشر فسيخبرونكم أن الله عز وجل ما بعث رسولا إلا من البشر،  ونزل في قولهم: أهذا الذي بعث الله رسولا يأكل ويشرب ويترك الملائكة فلا يرسلهم.

فقال سبحانه: وما جعلناهم جسدا يعني الأنبياء، عليهم السلام، والجسد الذي ليس فيه روح، كقوله سبحانه: عجلا جسدا لا يأكلون الطعام ولا يشربون ولكن جعلناهم جسدا فيها أرواح، يأكلون الطعام، ويذوقون الموت، وذلك قوله سبحانه: وما كانوا خالدين في الدنيا.

ثم صدقناهم الوعد يعني الرسل الوعد، يعني العذاب في الدنيا إلى قومهم فأنجيناهم يعني الرسل من العذاب ومن نشاء من المؤمنين وأهلكنا المسرفين يقول: وعذبنا المشركين في الدنيا، قال أبو محمد: قال أبو العباس [ ص: 353 ] ثعلب: قال الفراء: وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام.

لقد أنزلنا إليكم يا أهل مكة كتابا فيه ذكركم يعني شرفكم أفلا تعقلون مثل قوله تعالى: وإنه لذكر لك ولقومك يعني شرفا لك ولقومك.

وكم قصمنا من قرية يعني أهلكنا من قرية بالعذاب في الدنيا قبل أهل مكة كانت ظالمة وأنشأنا بعدها يقول: وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية قوما آخرين يعني قوما كانوا باليمن في قرية تسمى حضور ، وذلك أنهم قتلوا نبيا من الأنبياء، عليهم السلام، فسلط الله، عز وجل، جند بخت نصر فقتلوهم، كما سلط بخت نصر والروم على اليهود ببيت المقدس فقتلوهم، وسبوهم حين قتلوا يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء، عليهم السلام.

فذلك قوله عز وجل: فلما أحسوا بأسنا يقول: فلما رأوا عذابنا يعني أهل حضور إذا هم منها يركضون يقول: إذا هم من القرية يهربون، قالت لهم الملائكة كهيئة الاستهزاء.

لا تركضوا يقول: لا تهربوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه يعني إلى ما خولتم فيه من الأموال "و" إلى ومساكنكم يعني قريتكم التي هربتم منها لعلكم تسألون كما سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب، فلما رأوا العذاب قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين . يقول الله عز وجل: فما زالت تلك دعواهم يقول: فما زال الويل قولهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين يقول: أطفأناهم بالسيف، فخمدوا مثل النار إذا طفئت فخمدت.

التالي السابق


الخدمات العلمية