قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون فألقي السحرة ساجدين
قال فرعون لهم: إن رسولكم يعني موسى الذي أرسل إليكم لمجنون قال موسى : هو رب المشرق والمغرب يعني مشرق ومغرب يوم، يستوي الليل والنهار في السنة يومين، ويسمى البرج الميزان، ثم قال: وما بينهما يعني ما بين المشرق والمغرب من جبل أو بناء، أو شجر، أو شيء، إن كنتم تعقلون توحيد الله عز وجل.
قال فرعون: لئن اتخذت إلها غيري يعني ربا لأجعلنك من المسجونين [ ص: 449 ] يعني من المحبوسين.
قال موسى : أولو جئتك بشيء مبين . يعني بأمر بين، يعني اليد والعصا، يستبين لك أمري فتصدقني.
قال فرعون : فأت به إن كنت من الصادقين بأنك رسول رب العالمين إلينا.
فألقى عصاه وفي يد موسى ، عليه السلام، عصاه، وكانت من الآس، قال إن ابن عباس: جبريل دفع العصا إلى موسى ، عليهما السلام، بالليل حين توجه إلى مدين ، وكان آدم، عليه السلام، أخرج بالعصا من الجنة، فلما مات آدم قبضها جبريل، عليه السلام، فقال موسى لفرعون: ما هذه بيدي ؟ قال فرعون: هذه عصا، فألقاها موسى من يده فإذا هي ثعبان مبين يعني: حية ذكر أصفر، أشعر العنق، عظيم، ملأ الدار عظما، قائم على ذنبه يتملظ على فرعون وقومه يتوعدهم، قال فرعون: خذها يا موسى ، مخافة أن تبتلعه، فأخذ بذنبها، فصارت عصا مثل ما كانت، قال فرعون: هل من آية أخرى غيرها ؟ قال موسى : نعم، فأبرز يده، قال لفرعون: ما هذه ؟ قال فرعون هذه: يدك، فأدخلها في جيبه وهي مدرعة مصرية من صوف.
ونزع يده يعني أخرج يده من المدرعة فإذا هي بيضاء للناظرين لها شعاع مثل شعاع الشمس من شدة بياضها يغشي البصر.
قال فرعون للملإ يعني الأشراف حوله إن هذا يعني موسى لساحر عليم بالسحر يريد أن يخرجكم من أرضكم يعني مصر بسحره فماذا تأمرون يقول: فماذا تشيرون علي ؟ فرد عليه الملأ من قومه، يعني الأشراف.
قالوا أرجه وأخاه يقول: احبسهما جميعا، ولا تقتلهما، حتى ننظر ما أمرهما وابعث في المدائن يعني في القرى حاشرين يحشرون عليك السحرة، فذلك قوله سبحانه: يأتوك بكل سحار عليم يعني عالم بالسحر.
فجمع السحرة لميقات يوم معلوم يعني موقت، وهو يوم عيدهم، وهو وهم اثنتان وسبعون ساحرا من أهل يوم الزينة، فارس، وبقيتهم من بني إسرائيل.
وقيل للناس يعني لأهل مصر هل أنتم مجتمعون إلى السحرة لعلنا نتبع السحرة على أمرهم إن كانوا هم الغالبين لموسى وأخيه، واجتمعوا، فقال موسى للساحر الأكبر: تؤمن بي إن غلبتك ؟ قال الساحر: لآتين بسحر لا يغلبه سحر، فإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون ينظر إليهما، ولا يفهم ما يقولان.
[ ص: 450 ] فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا يعني جعلا إن كنا نحن الغالبين لموسى وأخيه.
قال فرعون : نعم لكم الجعل وإنكم إذا لمن المقربين عندي في المنزلة سوى الجعل.
قال لهم موسى ألقوا ما في أيديكم من الحبال والعصي ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون يعني بعظمة فرعون ، كقولهم لشعيب: وما أنت علينا بعزيز ، يعني بعظيم.
إنا لنحن الغالبون فإذا هي حيات في أعين الناس، وفي عين موسى وهارون تسعى إلى موسى وأخيه، وإنما هي حبال وعصي لا تحرك، فخاف موسى، فقال جبريل لموسى، عليه السلام: ألق عصاك، فإذا هي حية عظيمة سدت الأفق برأسها وعلقت ذنبها في قبة لفرعون طول القبة سبعون ذراعا في السماء، وذلك في المحرم يوم السبت لثماني ليال خلون من المحرم، ثم إن حية موسى فتحت فاها، فجعلت تلقم تلك الحيات، فلم يبق منها شيء.
فذلك قوله عز وجل: فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون يعني فإذا هي تلقم ما يكذبون من سحرهم، ثم أخذ موسى ، عليه السلام، بذنبها فإذا هي عصا كما كانت، فقال السحرة بعضهم لبعض: لو كان هذا سحرا لبقيت الحبال والعصي؛ فذلك قوله عز وجل: فألقي السحرة ساجدين لله عز وجل.