الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا  وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا  استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا  أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا  ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا  

ثم عظم نفسه تعالى عما قالوا من الشرك ، فقال جل ثناؤه : إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا يقول : ألا تزولا عن موضعهما ولئن زالتا ولئن أرسلهما فزالتا إن أمسكهما فمن يمسكهما من أحد من بعده الله يقول : لا يمسكهما من أحد من بعده ، ثم قال في التقديم : إنه كان حليما عنهم عن قولهم : الملائكة بنات الله تعالى حين لا يعجل عليهم بالعقوبة غفورا ذو تجاوز.

وأقسموا بالله يعني كفار مكة في الأنعام حين قالوا : لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم جهد أيمانهم بجهد الأيمان لئن جاءهم نذير يعني رسولا ليكونن أهدى من إحدى الأمم يعني من اليهود والنصارى ، يقول الله عز وجل : فلما جاءهم نذير وهو محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم إلا نفورا ما زادهم الرسول ودعوته إلا تباعدا عن الهدى ، عن الإيمان.

[ ص: 80 ] استكبارا في الأرض ومكر السيئ قول الشرك ولا يحيق المكر السيئ ولا يدور قول الشرك إلا بأهله كقوله عز وجل : وحاق بهم ودار بهم الآية ، ثم خوفهم ، فقال : فهل ينظرون ما ينظرون إلا سنت الأولين مثل عقوبة الأمم الخالية ينزل بهم العذاب ببدر كما نزل بأوائلهم فلن تجد لسنت الله في العذاب تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا لا يقدر أحد أن يحول العذاب عنهم.

ثم قال جل وعز يعظهم : أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم عاد ، وثمود ، وقوم لوط وكانوا أشد منهم قوة بطشا ، فأهلكناهم وما كان الله ليعجزه ليفوته من شيء من أحد ، كقوله عز وجل : وإن فاتكم شيء من أزواجكم ، وقوله جل وعز في يس : وما أنزل الرحمن من شيء يعني من أحد ، يقول : لا يسبقه من أحد كان في السماوات ولا في الأرض فيفوته أحد كان في السماوات أو في الأرض حتى يجزيه بعمله إنه كان عليما بهم قديرا في نزول العذاب بهم إذا شاء.

ولو يؤاخذ الله الناس كفار مكة بما كسبوا من الذنوب وهو الشرك لعجل لهم العقوبة ، فذلك قوله عز وجل : ما ترك على ظهرها من دابة فوق الأرض من دابة لهلكت الدواب من قحط المطر ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى إلى الوقت الذي في اللوح المحفوظ فإذا جاء أجلهم وقت نزول العذاب بهم في الدنيا فإن الله كان بعباده بصيرا لم يزل الله عز وجل بعباده بصيرا.

[ ص: 81 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية